القراءة… هل تطيل العمر؟

*محمد حجيري

في زمانه كان الكاتب المصري، عباس محمود العقاد يقول “القراءة تطيل العمر”، و”لا أهوى القراءة لازداد عمراً في تقدير الحساب… وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة. والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الانسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب”.

لم يكن في خلد الأديب المصري أنه ستأتي لحظة وتُجرى دراسات تتعلق بالقراءة وإطالة العمر… كان العقاد يقول كلامه من منطلق شخصي ذاتي أدبي يرتاح له، لأنه يعيش مع الكتاب ويسافر في عالمه، وربما يكتشف الآخرون كيف يفكرون من خلاله، مستنداً الى الفعل الوارد في القرآن “اقرأ”…

لكن في المدة الأخيرة تحول فعل القراءة إلى كليشيه لعناوين ترد في صفحة المنوعات أو الصفحات الأخيرة من الصحف، تتضمن مواضيعها بعض الإثارة والتسلية وأفكاراً لروايات لم تكتب أو كتبت أو استنسخت… إضافة إلى الجديدة. وأثبتت دراسة فوائد أخرى للقراءة تتمثل في تأثيرها الإيجابي في صحة القارئ أكثر من الرياضة. فقد كشفت دراسة أعدتها البروفسورة بيكي ار ليفي مع فريق من الباحثين العاملين في “جامعة يال” حول تأثير القراءة في الصحة والتمتع بفترة تقاعد مريحة، وأهم استنتاج خرجوا به هو أن القراءة تطيل عمر القارئ.

438

ورصدت دراسة ليفي عادات القراءة لـ3635 متطوعاً من المتقاعدين من كبار السن على مدى 12 سنة. وتقول صحيفة “ميديكال نيوز ديلي” نقلاً عن الدراسة: “إذا ما قارنا البالغين الذين يقرأون الكتب بمعدل 3.5 ساعة في الأسبوع، بأولئك الذين لا يقرأون الكتب، لوجدنا انهم اقل عرضة للموت بنسبة 17%. اما اولئك الذين يقرأون الكتب أكثر من 3.5 ساعة في الأسبوع، فأنهم أقل عرضة للموت بنسبة 23% مقارنة بأولئك الذين لا يقرأون الكتب”.

لم يستطع الباحثون تقديم سبب محدد عن الكيفية التي تساهم فيها قراءة الكتب في إطالة العمر، لكن الخبراء يعتقدون بأن قراءة الكتب لها تأثير فب الجانب المعرفي، وهذا يساهم في تقوية ترابط خلايا الدماغ الخاصة بالمعرفة، كما أن المعرفة تساهم في تطوير مدارك القارئ وتمدّه بمعلومات تفيده في حياته اليومية وتُحسن نوعية حياته. هذه الدراسة انتشرت في وسائل الاعلام كالنار في الهشيم، وقد تحفز البعض على القراءة، وقد يجد البعض الآخر فيها نوعاً من ترهات وإن كانت حقيقية وجديّة. وإذا كانت القراءة تطيل العمل، فقبل سنوات أصدر مدير معهد بحوث التعليم بولاية كاليفورنيا، جيمي س. كوفمان، دراسة ركزت على ظاهرة موت الشعراء في سن مبكرة.

وقد تناولت الدراسة 1987 كاتباً بارزاً راحلاً وسجلت متوسط الأعمار عند وفاة الروائيين والشعراء وكتّاب المسرح والمؤلفين الآخرين، ذكوراً وإناثاً، من بينهم كتّاب كنديون ومكسيكيون وصينيون وأتراك وأوروبيون شرقيون، الى جانب كتّاب وشعراء أميركيين. وتفيد الدراسة بأن متوسط عمر الشعراء كان 62.2 سنة، بالمقارنة مع الكتّاب غير الروائيين، الذين عاشوا حياة أطول مداها 67.9 سنة. بينما بلغ متوسط عمرالكتّاب المسرحيين 63.4، والروائيين 66 سنة. وقد تأكدت الفروق بين الشِّعر والنثر وسط الأميركيين، إذ عاش الشعراء في المتوسط 66.2 سنة، وعاش الكتّاب غير الروائيين 72.7 سنة. ويقول كوفمان في دراسته إن صورة الكاتب كشخصية ابتليت بالشقاء وفي بعض الأحيان تراجيدية، قدّر لها الموت مبكراً، يمكن أن يؤكدها البحث.

book_club

وهناك العديد من الأسماء “الأسطورية” الأدبية التي ماتت في عمر مبكر.. فهل الكتابة شقاء، والقراءة هناء؟…

وتذكرنا خبرية دراسة القراءة وإطالة العمر ورواجها، بقصة الكتاب القاتل “الظّلال من جدران الموت” الذي حيكت حوله عشرات الروايات وقيل إنه كُتب العام 1863، ويؤدي بقارئه إلى الموت. والسرُّ وراء هذا الخطر القاتل الذي يسبّبه الكتاب هو أن مؤلّفه، بحسب الروايات، قد وضع كميّاتٍ قاتلةً من الزرنيخ في صفحاته الّتي يبلغ عددها 86 صفحة.. ويوجد منه نسختان فقط حول العالم، وعلى كل مَن يريد قراءته أن يلبس قفّازات ويضع قناعاً واقياً. وكثيرون قالوا إن الخبر دعاية لجامعة ميتشيغان حيث يوجد الكتاب، مع التذكير بأن التيمة وردت في حكاية “وزير الملك يونان والحكيم دويان” في كتاب “ألف ليلة وليلة”، والحكاية نفسها وظّفها الإيطالي أومبرتو إيكو في روايته الشهيرة “اسم الوردة”. وتقوم الرواية على لغز الكتاب المسموم، وهو كتاب سري مخبأ في مكتبة الدير، وكل مَن مدّ يده إليه انتهى ميتاً…

دراسات كثيرة حول القراءة تبدو مسلية وخفيفة ومضحكة وجديّة، منها دراسة وجدت أن الأطفال ممن تتوافر لديهم إمكانية الوصول إلى الكتب، عادة ما يجنون دخلاً أكبر من الأطفال الذين نشأوا مع عدد قليل أو في غياب الكتب. ويقول معدّ الدراسة: “بهذا المعنى نعتقد أن الكتب، كالألماس، تبقى إلى الأبد”. ودراسة أخرى تسأل: هل تريدين أن تكتشفي سرّ الصحة والشباب الدائمين؟ بالطبع ستُجيبين بـ”نعم”. أمّا الإجابة الحقيقيّة على هذا السؤال فهي: القراءة لمدّة 6 دقائق قبل النوم!”. هذا ما “أثبته” العديد من الدراسات الحديثة. وبعض الدراسات عن القراءة يبدو مثل وصفات التداوي بالأعشاب، أو كتب السحرة و”السر العجيب في جلب الحبيب”. وكل الدراسات تبقى هينة امام العبارات الصبيانية مثل: تزوجي رجلاً يقرأ، فهو سيجدك كتاباً مقدساً… أو لا تتزوج امرأة تقرأ لأنها تعشق الكتاب أكثر منك…

لكن، ماذا عن الكتب القاتلة أو السوداء، أو التي تدفع أفكارها الشبان للذهاب نحو العنف والموت والقتل والانتحار، سواء كانت ايديولوجية أو عقائدية أو دينية؟ هذا موضوع آخر لنا عودة له…

_______

*المدن

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *