عن السرقات الشعرية والأدبية

خاص- ثقافات

*موسى حوامدة

أفهم أن هناك تقاليد في الكتابة، وأخلاقاً لدى الكتاب والشعراء والباحثين، ومن أبسط هذه التقاليد عدم سرقة الآخرين، وعدم التحايل والتلاعب لإخفاء السرقة، وقد بسطت لنا قواعد الكتابة المسألة حيث يمكن أن تضع ما تقتبسه بين قوسين، وتشير للمصدر، وهذا لا يعتبر سرقة بل اقتباساً، أو تضميناً، ولكن يبدو أن البعض يتحايل ويتشاطر في قنص جمل الآخرين، وأفكارهم وقصائدهم، ويتواطأ النقاد والمحررون الثقافيون وبعض المتثقفين، فيبررون السرقة على أنها تناص، وهذا دجل نقدي غير مبرر، فالسرقة سرقة والتناص مختلف كلياً، وقد قالت جوليا كريستيفا بما معناه (إن الأسد هو ألف خروف)، أي يجب على التناص ألا يكون بيناً جلياً بل ضمن نصوص متنوعة ومتعددة خرج منها تناص مختلف.

كبار وصغار سرقوا، والمشكلة أن حالة النفاق والجهوية وتردي الوضع السياسي والثقافي العربي عمَّق الخراب، فإذا أشرت لبعض السرقات صرتَ (مجرماً) وحاقداً ولك مصلحة في تدمير الشاعر المعني، أو الكاتب السارق، وبدل أن توجه الاتهامات لصاحب السرقة، على جريمته واحتقاره لقرائه، وخيانة أبسط القواعد الأخلاقية، توجه للمنتقد ولمن يكشف الخلل والسرقة، وهي أحكام تدل على فتور همة النقد العربي، وبلادة النزاهة وموت الضمير، بل ربما رحيله عنا نهائياً.

والغريب أن الناشرين لا يهتمون لمثل هذه السرقات، ولا يأبه المحررون رغم معرفة بعضهم واطلاعهم، وحتى حين يتم تنبيههم يتعامون عن الحقيقة. وكثير من القراء والناس يبررون السرقة، (من يتخيل ذلك؟) لأنهم يحبون هذا الشاعر أو الروائي، أو يتعصبون له، والبعض يأخذها من باب دفاع عن وطن، أو كيان معين، أو طائفة، أو حزب وما إلى ذلك.

فحين تشير إلى سرقة روائي مصري، على سبيل المثال، سيهب عليك المصريون أو خسة شاعر فلسطيني سيتنطح لك الفلسطينيون، وحين تشير إلى سقطة كاتب مغربي، سينبري المغاربة في تفنيد الحجة، وحين تنتقد كاتباً عراقياً سيتحرك الوسط الثقافي العراقي دفاعاً، وحين وحين وحين مما يشير إلى كانتونات ثقافية مريضة، وليست ثقافة عربية ذات تراث واحد، ولغة واحدة.

عمق هذه الحالة التفسخ العربي، والإقليمية العربية، والوهم الذي يعتقده البعض أن كيانهم أو بلدهم أو قطرهم هو الأهم، وكتابهم وثقافتهم هي الأبرز، وصارت بعض الوزارات القطرية، بل كثير منها، تدعم كتاب البلد ليس لجودة كتاباتهم بل من باب إقليمي مريض.

لنتذكر كيف طبع كتاب في جريدة، وكيف كانت توزع الحصص عربياً، ولنتذكر كيف توزع بعض الجوائز، ولنتذكر الكثير من المعارك النقدية التي لم نتركها معارك ثقافية نزيهة بعيداً عن كل الاعتبارات الثانوية وغير الهامة، بل حولناها إلى حروب قبيلة.

أما القضية المعقدة فهي دفاع كثير من المحسوبين على الثقافة عن الخطأ، ومحاولة لي عنق الحقيقة، وتجويز السرقات والافتراءات، والرد عليك بكل الطرق لإخماد صوتك وتهديد غيرك أنه سيتعرض إلى نفس المصير، من هجوم ومحاسبة وشتائم وحرمان كنسي.

أدعو إلى فضح اللصوص لتكريس تقاليد كتابية محترمة تجعل اللص يفكر ألف مرة قبل سرقة جهد غيره ونسبته له بكل بساطة، وبلا أي وازع أخلاقي.

نعم لفضح لصوص الأدب والرواية والشعر والنقد وعدم التهاون في ذلك.

Musa.hawamdeh@gmail.com

________
*شاعر أردني.

 

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *