كيف يختصرنا الأدب؟

*مرام الجبيل

حين كان ماريو فارغاس يوسا يتحدث عن منافع الأدب على اللغة كتب هذه الجملة: “لم نكن لنرى السمات الخاصة بنا، لذلك نحن مدينون لمواهب ثيرفانتس، كافكا، أورويل، رابليه، دو ساد، وماسوش؛ لأنهم استطاعوا كشفها لنا” يمكننا القول -وهذا يعني الشيء نفسه- أنه وعلى الرغم من سطوة العمل الأدبي على القارئ إلا أن سطوة المؤلف وضعت له لغة خاصة لنفسه، بالطبع نقصد المؤلف الذي لا تنتهي علاقتك معه في حدود كتاب، لم يكن ليتركك حتى تتمكن من التعرف عليه والشعور به وتفهّم حساسيته، إنه –وإن لم نتفق على هذا– يحمل مفاهيمه الخاصة إلى أبعد من الأدب، لصياغة محورية جديدة للسلوك الإنساني، ولصناعة أنماط تصف بالدقة الحالة البشرية لواقعة / لشخصية ما، ولما صار الأمر كذلك، فأنت لست بحاجة لأكثر من كلمة “دون كيخوتي” لتصف الشخصية الحالمة التي ترى ما تريده وتتصرف واهمة وكأنه موجود بالفعل، إنه فقط ذلك الشخص الذي لا يُصدر أحكاماً عقلانية ويسمح للأوهام أن تخرّب أفكاره، مع هذا ثمة نبل وأخلاقيات يتبناها ويكوّن منها جنونه، ثم تقول (يا له عالَم كافكاوي) نيابة عن وصفك لحالة البؤس البشري، كل شيء عن السوداوية والانغلاق والقلق الوجودي والشعور الدائم بالذنب والخوف من استمرارية الحياة هي “حالة كافكاوية”، ولكن كيف نصف شيئاً ما يتخذ شكلا عبودياً وسلطوياً بطريقة أدبية؟ لا تثق إلا بوصف “نوع أورويلي” هكذا، إنها صفة تحبس معنى الخطر بداخلها، الخطر من الأنظمة الديكتاتورية وغياب الحريات والعدالة الاجتماعية، وإن كان المفهوم لوصف مستقبل ما فإنه -وباختصار- أي شيء لا يبعث على التفاؤل، ثم عليك أن تتلقى تعريفاً مختلفاً للسخرية الشعبوية، خاصة ذلك النوع النهضوي الذي يعجّ بالحكمة وتبديد النفاق، إن “الأسلوب الرابليهي” -وإن كنا غير متعلقين جداً بهذه التسمية- يعود بشكل عامّي على معارضة الثقافة السائدة، ومع الاستعانة بالنموذج الهزلي للتصحيح فإنه يلزم توقع إثارة غضب سلطة ما، وما نسميه “سادي” ليرادف العنف والدموية والمبادئ المتحررة من الأخلاق، لا يقلل من انحراف رفيقه “المازوخي” في استعذاب تلقي الألم والإهانة.

book-reading-bookلنعد إلى جملة فارغاس يوسا، حين افترض “أننا لم نكن لنرى السمات الخاصة بنا ما لم يتطوّع كُتاب موهوبين لكشفها لنا” وهذا يعني إذن، أن الشيء نفسه مُستطاع أن يُقال لموهوبين آخرين، فالمحتمل البدهي أن أي مذهب أدبي جديد يُنسب لمن يؤسس سمة خاصة به، فلو ألحّ قارئ عربي بسيط -مثلك، وطبعا مثلي- أن يقترح سمة مستعارة من نموذج عربي، فعلى الأرجح سيكون استعمال “الأسلوب الكنفاني” رائجاً في تداول القضية الفلسطينية والحركات القومية العربية، وسيكون ملاحظاً ربط “الطابع المنيفي” بنوع القصص والكتابات التي تروي الحقبة النفطية ونقلاتها الثقافية في المنطقة، بل أكثر من ذلك، سيُحكم على من يطيل اهتمامه بشأن المقهورين والمظلومين والمشردين وفاقدي الأمل أكثر من غيرهم بأنه يحمل “نزعة ماغوطية” تجاه الناس والحياة، وعلى وجه الدقة، ما لم يكن يقبل الترويض والامتثال للقوانين.

_______
*الرياض

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *