حقيقة “الخبز الحافي”

*هدى حبيش

رغم مرور أكثر من أربعين عاماً على صدور رواية “الخبز الحافي” للروائي المغربي محمد شكري، ما زالت تثير الجدل سواء في مضمونها “الجريء” أو فكرتها أو شخصية صاحبها، والجديد في هذا المجال أن أحد الكتاب نشر على صفحته الفايسبوكية مقالاً تحت عنوان “أي من “الخبز الحافي” تقرأ؟” سلّط فيه الكاتب الضوء على عمق الإختلاف بين النص الأصلي باللغة العربية لـ”الخبز الحافي” والنص المترجم إلى اللغة الإنكليزية مستنداً إلى مقال نقدي للباحثة والمترجمة نيرفانا تنّوخي عنوانه “الخبز الحافي” لمحمد شكري كما ترجمه بول بولز: إعادة كتابة الإلتزام السياسي للأدب العالمي” تناقش فيه ترجمة بولز السيئة والمسيئة لرواية “الخبز الحافي”.

ويبدو واضحاً في مقال تنوخي، وفقاً للكاتب، اعتقادها أن بولز تَعَمّد إدراج كتاب “الخبز الحافي” في خانة “كتب العالم الثالث”، لإضفاء تفاصيل تجعل الكتاب متناغماً مع الأفكار السائدة في الآداب الغربية حول العالم الثالث، أي تصوير هذه المجتمعات على أنها مجتمعات أُمِّيَّة تعتمد على التواصل الشفهي فقط وينعدم فيها الإلمام بالعلوم السياسية. لكن تنوخي تُرجع عدم دقة ترجمة بولز لعمل شكري أيضاً، في جزء منها، لأسباب تتعلق بجهل بولز قراءة اللغة العربية الفصحى بالإضافة إلى محدودية معرفته باللغة المغربية العامية أو الدارجة، ومن أجل ذلك كانت ترجمته للكتاب حرفية من دون الاخذ بالإعتبار معاني التعابير والمصطلحات الخاصة بالمجتمع المغربي.

438
وتقول تنوخي إن اهتمام بولز بالثقافة الشفهية تحديداً يعود إلى اعتباره إياها أداة صالحة لاستكشاف همجية الإنسان في هذا الجزء من العالم، وتركز تنوخي على اهتمام بولز بكل ما له علاقة بالأمية والشفوية كمفتاح لفهم دوافعه. ولإثبات ذلك، تستند تنوخي إلى حقيقة أن كل الرواة الذين ترجم بولز أعمالهم كانوا أُمِّيّين، باستثناء شكري، على الرغم من محاولة بولز تصوير شكري على أنه أمي أيضاً لأنه لم يتعلم الكتابة والقراءة قبل سن الرشد.

كما تستند تنوخي أيضاً إلى منشورات كتبها بولز بعد خمس سنوات من نشر ترجمته لعمل شكري، يقول فيها: “لو كنت أعرف مدى صعوبة ترجمة نصوص محمد شكري من اللغة العربية إلى الإنكليزية أشك في أنني كنت سأُقبل على هذا العمل… عندما كنا نترجم سيرته “الخبز الحافي”، كان شكري حريصاً على أن أقوم بترجمة النص حرفياً حتى انه كان يستفهم عن سبب إضافتي للفاصلة مثلاً، ما أدى إلى ورود التكرار في عملي، لكنني خلصت إلى أن الإنكليزية لا تشبه العربية!” ترى تنوخي في عبارات بولز هذه اعترافا بنفاد صبره من رغبة شكري بالحفاظ على “السلامة النصية للعمل”، كما تقول.

aaaahhhafi
وتعرض تنوخي شواهد من النص الأصلي والمترجم توضح عمق اختلاف الدلالات والمعاني بين النصين، إذ يبدو النص الأصلي وفقاً لتنوخي “ملتزما سياسياً ويشكل نموذجا للواقع الاجتماعي”، بينما النص المترجم “غير مكترث بالسياسة” وذلك بسبب حذف أجزاء عديدة من النص ذات قيمة سياسية واقتصادية وجنسية.

ففي النص الأصلي، تدفع الحاجة الإقتصادية محمد إلى ممارسة الجنس غير المُشَرّع (المثلية) بينما تصور هذه الممارسة في النص المترجم على أنها بحث عن المتعة فقط. كما لا يورد النص المترجم الحاجة الإقتصادية كسبب لانكفاء محمد عن الذهاب إلى المدرسة بل يعيد ذلك إلى سبب مجهول.

ودوّن الكاتب والصحافي شاكر نوري تعليقاً على مقال “أي من الخبز الحافي نقرأ”، قائلاً: “قال لي بول بولز في لقاء منشور معه: إن ناشرًا أميركيًا جاء يطلب بعض قصص المغاربة.. فأخبره محمد شكري بأن لديه رواية. ويقول: كان يأتي إلي بيتي ويسرد علي روايته الخبز الحافي. وهو كذب علي ولم تكن لديه رواية بل أحيانا لم يكن لديه أي شيء ليسرده”. يضيف شاكر “الكاتب الحقيقي لـ”الخبز الحافي” أو “من أجل الخبز وحده” هو بول بولز برؤيته ولغته وهو الروائي العظيم. الفكرة هي فكرة محمد شكري .. وهذه هي الحقيقة… ولم يكن بولز يتعامل مع محمد شكري بل هناك كاتب أهم منه هو محمد مرابط.. ولكنه منسي”.

choukriune1_873034470

ما قاله شاكر حظي باهتمام بعض رواد الفايسبوك، لكنه استنتاجه بحاجة الى أدلة ملموسة، خصوصا أنه يتحدث عن رواية ومرحلة فيها الكثير من الحكايات والتداخلات بين شخصيات طنجة، والقول إن “الغربي(أي بولز) لا يكذب” لا يكفي، دون أن ننسى أن هناك الكثير الالتباس حول رواية “الخبر الحافي”، فقبل مدة أصدر الكاتب المغربي حسن العشاب كتابا بعنوان “محمد شكري كما عرفته”، قال إن “الخبز الحافي” حملت بصمة كاتب أميركي أعاد صياغتها كعمل فني مصطنع لتحمل طابعا فضائحيا “حتى ينال الكتاب الإعجاب بجرأة الكاتب الأمي” في إشارة إلى شكري الذي تعلم الكتابة في سن متأخرة. وهناك الكثير من الآراء حول شكري والمرابط وبولز، وردت في المؤلفات التي كُتبت عن “رواة طنجة”، فحينما شرع في نشر ترجماته لمرويات العربي العياشي، ومحمد المرابط، وأحمد اليعقوبي، وجه إليه اليسار الثقافي (عبد الله العروي والطاهر بن جلون الخ)، في خضم موجة نقد الكتابات الاستعمارية، تهم الفلكلورية والسعي إلى نشر صورة “شائهة ومتخلفة” عن المغرب في الخارج. المشكلة التي واجهها بولز كانت من الرواة أنفسهم، فالحكاء محمد المرابط مثلاً اتهم بولز بأنه “استولى” على العديد من أعماله وأعمال شكري في المجال القصصي والروائي، ونسبها إلى نفسه في العديد من مؤلفاته. أضاف المرابط أن السبب الذي دفع محمد شكري إلى كتابة مؤلف ينتقد فيه بول بولز بشدة، يرجع إلى ما وصفه بسرقة حقوقه الإبداعية، كما فعل معه، مشيراً إلى أن الضرر الذي تعرض له من بول بولز كان أكبر مما تعرض له محمد شكري. المرابط يعد من أبرز الحكائيين والقصاصين الذين لم يعرفوا الكتابة ولا القراءة قط، إذ إن بولز هو الذي كان يحول حكاياته من المستوى الشفوي إلى الكتابي، وظل المرابط إلى جانب بولز لسنوات طويلة يحكي له الحكايات الشعبية المتداولة في كل مكان، وكان بولز يسجل ذلك على آلة تسجيل كبيرة ثم يعيد الاستماع إليها من جديد ويصوغها على شكل قصص قصيرة ثم ينشرها في صحف ومجلات أدبية في الولايات المتحدة الأميركية، ويكون نصيب المرابط نسبة من أرباح النشر عن كل حكاية… بمعنى آخر كان المغرب نبعاً لموارد بولز الكتابية…
________
*المدن

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *