شعر ونثر ما قبل الإسلام

*يوسف أبولوز

إلى الآن، وبعد المديد من القرون والسنين والأجيال اللغوية والبلاغية لم تذبل زهرة الشعر أوالنثر الذي وُلدَ في الجزيرة العربية قبل الإسلام. إلى الآن يحتفظ النص العربي في هذه المنطقة بطاقته البلاغية والرمزية من استعارات ودلالات تستقي هذه القوة اللغوية من قوة المكان نفسه، ومن تاريخيته وامتلائه الفكري والروحي والجمالي، ولذلك، عاش هذا النص حتى اليوم.. حتى الآن ونحن في القرن الواحد والعشرين.. قرن اللغات والثقافات والأبجديات.. البعض، منها، قبل ذلك كان قد انقرض وانتهى تماماً كقيمة أدبية وتاريخية، والبعض من لغات وأبجديات العالم توارى ليس إلى الهامش فقط، بل، إلى هامش الهامش، وذلك، لافتقاده إلى الطاقة اللغوية والبلاغية الماثلة في النصين الشعري والنثري في منطقة الجزيرة العربية قبل الإسلام.

آخذك صديقي القارئ إلى مجلدين مهمين في حال عودتك إلى الثراء في اللغة وفي فكر اللغة أو لغة الفكر والعقل والقلب وهي اللغة العربية.. والمجلدان هما (ديوان الشعر العربي) و(ديوان النثر العربي) اللذان اشتغل عليهما أدونيس بدأب الباحث والشاعر والمفكر، وبعقل يعرف جيداً غزارة وخصب هذه المرجعيات الشعرية والنثرية.

على مستوى ديوان الشعر العربي ظهرت الطبعة الأولى في مقدمة الجزء الأول من (ديوان الشعر العربي) على الشاعر الجاهلي قبل ظهور الإسلام في الجزيرة العربية.. ويأخذنا بالتالي، إلى فضاء ثقافي صحراوي ينظر إليه أدونيس من زاوية نظر فكرية، تأملية، فلسفية وجمالية.

يضيء أدونيس على بطولة الشاعر في مكان هويته الصحراء التي أعطت الشاعر العربي معنى الفروسية والبطولة، وإحساسه بالغربة لكي يذهب بعد ذلك إلى فلسفة المكان، والاحتماء من غموضه ومغازاته بالشعر.
في ضوء هذا الفهم أو في ضوء مجموعة مفاهيم وأفكار عميقة يطرحها أدونيس في مقدمة الجزء الأول من (ديوان الشعر العربي) ذهب إلى اختيارات شعرية تكشف عن جوهرية وروح شاعر الصحراء وبلاغته وذكاء تعامله مع اللغة بوصفها كائناً.

من شعراء ما قبل الإسلام يختار أدونيس نصوصاً لـ: لقيط بن يعمر الأيادي أبو نصر البراق، وأحيحة بن الجلاح، وجحدر بن ضبيعة، الشنفرى، المهلهل بن ربيعة التغلبي، عمر بن قميئة، السموأل، طرفة بن العبد، امرؤ القيس، عميرة بن جعيل التغلبي، عدي بن زيد العبادي (عاش في بلاط كسرى)، الشداخ الكناني، وغيرهم العشرات من الشعراء، ومن شعر الكناني يختار أدونيس ثلاثة أبيات منها:
أكلما حاربت خزاعة
تحدوني كأني لأمهم جَمَلُ
«ديوان النثر العربي»، جاء في ثلاثة أجزاء.. الجزء الأول بشكل خاص يكشف لنا عن الطاقة الخلاّقة في النثر قبل الإسلام.. وعلى سبيل المثال يختار أدونيس من النعمان بن المنذر وهو من ملوك آل غسان قبل الإسلام يقول:
«التفكرّ نور، والغفلة ظُلمة، والجهالة ضلالة.
انظر إلى الدهر تجده أياماً ثلاثة:
يوماً مضى لا ترجوه
ويوماً بقي لا بد منه
ويوماً يأتي لا تأمنه

من ناثري ما قبل الإسلام يأخذ أدونيس من: عمر بن مالك بن ضبيعة، جعادة بن أفلح، وهذا كاتب وطبيب ظهر قبل الإسلام سأله كسرى، كما يشرح أدونيس، عن طبه:
} ما أصل الطب؟
– ضبط الشفتين، والرفق باليدين.
} فما الداء الدوي؟
– إدخال الطعام على الطعام.
بحر من النثر اختار منه أدونيس مغطياً بذلك فترة مهمة من تاريخ الكتابة، وتاريخ الشفاهة قبل الإسلام في الجزيرة العربية.
_______
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *