كشف أسرار المبدعين

*مصطفى عبدالله

تبقى الكتابة الأدبية تجربة إنسانية بالغة الرقي، شديدة التعقيد، وسيظل الكثير من الباحثين والنقاد يطوفون حول ماهيتها، وكيفياتها، وأسبابها، وأهدافها.

وفي إطار هذه المحاولات الحثيثة، جاء كتاب الأديب والناقد حسين عيد “تجربة الكتابة“، كمحاولة مخلصة لاستكشاف زاوية أخرى من زوايا لغزها المحير، وهو يعرض في مستهله أوجه الكتابة المتعددة، الباعثة على الدهشة المربكة، فمرة يعتبرها البعض الغموض بعينه، والكنز الذي لا يعرف أحد مكنون أسراره، بينما يمتلك بعض الأفراد القدرة علي فكّ طلاسمه، والنهل من معينه، وقد يقول عنها بعض الكتّاب “ما أصعبها تجربة، وما أشقّ ما تستنفد من جهد، قد نقع في حبائلها دون رغبة، مدفوعين بقوى غريبة، تحضّنا علي الاستمرار لاهثين، سعيًا لاكتشاف المجهول من أنفسنا ومن العالم حولنا”.

وقد يقول عنها عدد من القراء “ما أشد ما تثيره من فضول، وما أعمق ما تفجّره من أسئلة، حول أسرار العلاقة بين الكاتب وما يكتب، بين الشخصي والمكتوب، بين تكوين الكاتب والمنتج الأدبي، وبين حدود عالمه الداخلي والواقع الخارجي”.

ويلفتنا المؤلف إلى أن هذا الكتاب جاء نتاجًا طبيعيًا لرحلة اطلاع طويلة على الآداب العربية والعالمية، ولممارسات نقدية تجاوزت ربع القرن، تناولت أعمال عشرات من الكتاب المصريين والعرب والأجانب، كانت “تجربة الكتابة” تشغل تيارًا رئيسيًا متغلغلًا فيها.

ويوضح حسين عيد أنه انتهج المنهج التطبيقي في تناوله للكتاب وإبداعاتهم داخل هذا السفر، فهو يحلل الأعمال الأدبية الخاصة بأحدهم، سواء أكانت قصة أو رواية أو مسرحية، ثم يرجع لما يمده عن الكاتب بمعلومات خاصة، مثل سيرته الذاتية، أو حواراته المتفرقة هنا وهناك، ليربط بين النص، وحياة صاحبه وواقعه المعاش، في محاولة مجهدة لاستكشاف كنه لغز الكتابة.

وتحت مجهر دراسته أخضع حسين عيد خمسة وثلاثين كاتبًا، فيما بين مصريين وعرب وأجانب، ووزعهم على فصول الكتاب السبعة.

في أولها تناول أسباب الكتابة، وهل تتغير باختلاف الجنس الأدبي؟

وفي ثانيها تعرض لظروف نشأة الكاتب، ومدى تأثيرها على نوعية إبداعه، فيما كانت التحولات التي تطرأ على حياة الكاتب وتأثيرها على إبداعه موضوعًا للفصل الثالث.

وأفرد الفصل الرابع لدراسة ما يواجه الكاتب من صعاب، موضحًا كيف تؤثر في قريحته الأدبية؟

بينما يتناول في الفصل الخامس سبل تدخل الكاتب في سير العملية الإبداعية.

أما الفصل السادس فقد اهتم فيه بفكرة تأثير الاغتراب بنوعيه المادي والمعنوي على الكاتب وكتاباته، ثم يأتي الفصل السابع والأخير ليدرس متأنيًا الأسباب التي تدعو الكاتب إلى التوقف عن الإبداع.

ومن خلال تصفح هذا الكتاب الممتع نتعرف على الأسباب التي حدت بناقد كبير مثل الدكتور شكري عياد إلى تدوين سيرته الذاتية التي نشرها تحت عنوان بديع هو “العيش على الحافة”.

وعبر صفحات الكتاب تتضح للقاريء البواعث التي تكمن وراء كتابة السيرة الذاتية؛ ومنها رغبة المؤلف الملحة في إقامة صلات حميمة مع القاريء، ثم إدراكه لقيمة الكتابة التي يستمد منها قيمته ككاتب، وقدرية الكتابة بالنسبة إليه وإلى كل صاحب قلم، وربما لكون الكتابة بوحًا وفضفضة تؤديان لاعترافات تطهر للنفس فهي تعد سببًا آخر من أسباب اللجوء للقلم، كما أنها محاولة للتعرف على الذات والوصول الآمن إلى النفس، وربما تكون كتابة السير الذاتية بالتحديد، ليست أكثر من وسيلة لاستدعاء لحظات ولتّ.

ويذكر أن المجالات التي أبدع فيها حسين عيد، مؤلف هذا الكتاب، تتنوع فيما بين ترجمة ونقد ودراسة وإبداع قصصي وروائي، فهو صاحب ستة عشر كتابًا في النقد، وعشرة في الترجمة، كما أن له خمس روايات، وثلاث مجموعات قصصية.

ويبقى أن نشير إلى أن حسين عيد ينتهج في هذا الكتاب وفي غيره من الكتب التي تحتفي بتجارب المبدعين العرب والأجانب، المنهج ذاته الذي سار عليه من قبل الناقد الراحل الدكتور علي شلش.
_____

*ميدل إيست أونلاين

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *