رائحة الحرب تفوح من ‘حمام كثيف’

ميلانو (إيطاليا) – صدر حديثاً عن “منشورات المتوسط” مجموعة شعرية جديدة للشاعر السوري عيسى الشيخ حسن حملت عنوان “حمام كثيف” وهي المجموعة الخامسة للكاتب.

وقد عرض لها الشاعر محمد المطرود قائلا: “في جملة مجموعة ‘حمام كثيف’ محاولة ترميم العلاقة بين التفاصيل اليومية والرؤية، خاصة وأن مفتتحِ المجموعة يبدأ بإهداء يشي بهذه العلاقة.. إلى أطفال سوريا”.

يقول:

يومها لم أكن قرأت

ناي جلال الدين الرومي

ولا شاهدت رؤوساً

يركلها أولاد منذورون للقصف

ويقول في مكان آخر أيضاً:

والآن

الذكريات الهشّة تماسكت

وغصّ بها الولد الشقيّ

تماماً

كقطعة حطب

يسمونها بسكوت.

ينشغل الشاعر عيسى الشيخ حسن كشأنهِ فيما عهدناه بلغةٍ محكمةٍ، ليست عصية لكنها صعبة بما تمتلك من قوة في السبك وتشكيل الجملة المقفولة بإحكام، كذلك اتباع خط ناظم لمجموع العمل، بحيث تتبدىَ الفكرة والمرامي البعيدة متماهية مع اللغة، فلا ترهل للغة لحساب الفكرة ولا ضياع للفكرة الشاعرية لصالح اللغة.

هذه المداورة تمنحُ المتلقي قدرة مضاعفة لتذوّقِ هذا الصعب وفي نفس الوقت فكِّ الشيفرة، وعموماً هذا الجهد لا يعني التعميةَ أو الإغماض المتعمّد، بل يظهر جلياً تخمّر الفكرة الضاغطة لقربها من النفس الإنسانية ومن ثم قربها من النَفَس الشعري للشاعر هنا، فتأتي الكتابة مخلصة للرسالة المراد إيصالها، وبذلك يتحقق الجانب الحياتي لموضوعةِ الكتابة بعيداً عن التوصيف القديم القاتل “الفن للفن” إذ الإخلاص للفن يفتح مسارات إنسانية تلغي تلك المسافة المظلمة بينها وبين الإنسان:

القصيدة التي هدلت طيلة الليل

خدعت كلّ الفخاخ

المطمورة في التراب

لم يكن أيّ منا يمتلك دودة واحدة

دودة حقيقية

تغري قصيدة بجناحين.

يُذيلُ عيسى الشيخ حسن قصائده في “حمام كثيف” بتواريخ تعودُ إلى العام 2014 للدلالة أو زيادة التدليل على الفترة الغنية بأحداثها وويلاتها، كمحاولة لوضع قارئه في صلب المحنة، فيما إن كان سورياً أو سوى ذلك.

كذلكَ ليتعاضدَ ذلك مع الدم ورائحة الحرب التي تفوح من القصائد، وعليه يمكن القول إن اشتغال الكتابة بموضوع الحرب، كما في “حمام كثيف”، لا يعني الصدقية المباشرة، بقدر ما أنَّ نصاً مجازياً يقوم بهذه المهمة الصعبة، إذا عرفنا السطحية المبالغ فيها عند بعضهم، ممن رأوا أنّ “الواجب الأخلاقي” يكفي، ولا ضرورة لتعميقِ النص:

الآن يا ليلى

وبعد هذه السنوات

الشوكة الصغيرة كبرت

وعرّشت تحت أصابعنا

ها نحن نكتب

بالسيوف والخناجر والبمبكشن والسكود

بدعاء العجائز

بصرخات السياسيين.

ومن المجموعة:

أكتب كي يقرؤوا لأمّي

ما تذكرته عن حكايتنا

في وطن صغير

هو بيتنا الطينيّ

الذي حلّقنا منه إلى

بلاد وحتوف

وزوجات يدفعن إليها

الأحفاد كلّ صباح.
_______

*ميدل إيست أونلاين

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *