رحلات

*لطفية الدليمي

1- طريق الحرير عبوراً إلى قصر شيرين رحلة  إلى إيران الإمبراطورية

سأرحلُ
لا بد أن أرحل
ربما.. في يومٍ ما
سيغير هذا الفُلك القاسي .. صورته ومجراه
يومها .. إن بقيتُ
لن ترى أثراً مني
غير ظلٍ أعجفٍ .. فوق جدار.

شاعر فارسي مجهول
منطق  الرحيل  هو  منطق الطير في كل زمان ومكان : أن تحدق في البعيد ، أن تتخيل المجهول وتنغمس في التصورات العجائبية ، أن تغادر خفيفاً وتحلّق  بمنأىً عن مألوف حياتك ، لتعود مثقلاً بأحلامٍ وخبراتٍ وأهواء ماخطرت لك يوماً على بال ، والسفر الطويل في السيارة  يمضي بالمرء نحو الأفق في كل برهة ، يأخذك نحو مديات وحكايات جديدة وأناس مختلفين وفضاءات لاتحدها سوى تخوم الخيال. أمضي في حلم  المدن  المُشادة  من  شذرات شعر ونساء فاتنات وعمارة مغولية ومؤثرات هندية وإسلامية وغربية، كانت رحلتنا تلك في زمن الشاه الأخير   قبل أن تنتهي لعبة الشطرنج الدولية بإزاحة الإمبراطور عن عرشه البهلوي.
قصر شيرين
الأرض صفراء حمراء بحجارتها الخشنة ، والتاريخ يلهث وراء صهيل الخيل  وصيحات المحاربين العائدين من حروبهم وغزوات الأمس ، ثمة على جوانب الشوارع بيوت مصبوغة بالبرتقالي والأزرق كأنها لوحات الفنان فان كوخ ، نوافذها  محجوبة بشبكات حديد كالزنازين ، وطفلة صغيرة تمص اصبعها أمام بائع الحلوى ذي العمامة المتسخة، المدينة الغارقة في رهج الحرارة منومة بسبات تأريخي وفي أحلامها تحتضن أمل زوال الشاه وإسقاط الإمبراطورية، وسيغدو هذا الأمل وبالاً  عليها  بعد سنوات ، وعندها لن يكون بوسعها إعادة إنتاج أحلام جديدة وبناء حياة  مرتجاة، مدينة تزوق خرابها بمظاهر رخيصة : زينات من بلاستك وستائر بألوان  صاخبة، وأبواب مصبوغة باللون الأزرق والأصفر، مدينة تموه الفقر المدقع  لسكانها  الحالمين بالغناء  .. قبل أن أتعلم منطق الحياة وواقع العيش في بلاد تزلزلها السياسة والانقلابات وعالم تضطرب جهاته كل فجر ويترنح  بين صراعات الأضداد ليسقط في حمأة الحروب، قرأت فريد الدين العطار النيسابوري في وقت مبكر ،،،  كانت طبعة الكتاب مربكة انفلشت أوراقها بين يدي وارهقتني قراءة صفحاتها ذات الطباعة الحجرية ، أدهشتني منظومته العرفانية الكبرى “منطق الطير” : أسرني وصفه لتلك الرحلة الروحانية التي قامت بها أصناف الطير بقيادة الهدهد لبلوغ مقام طائر السيمرغ* ، وعندما بلغت منتهى غايتها أدركت أنها فازت بالحرية خلال مكابدات الرحلة ولم ترجع إلى أرض الناس بل آثرت الفناء في لحظة الحرية  والإشراق ..قال جلال الدين الرومي عن فريد الدين العطار  : “لقد اجتاز العطار مدن العشق السبع  بينما لا أزال أنا في الزاوية من ممر ضيق ” . شغفت بمنطق فريد الدين العطار في حياته وكرامة عيشه وتمثلت رفعته  في العيش  هو القائل  :(شكراً للّه ، فلم ألجأ إلى قصر، ولم أكن ذليلاً لحقير، ولم أُطعَم خبز ظالم ، ولم أختم كتاباً بذكر أحدهم مطلقاً..)كيف يحلق المرء في رحلة الروح ويبلغ غاية الصفو كفريد الدين العطار وهو مشدود بألف وشيجة الى الشهوات ومجاراة القطيع والرهبة من غطرسة الطغاة  ؟   هذا مارددته  مع نفسي وانا أمضي مع رفقة السفر في رحلة برية عبر هضاب إيران وجبالها  بدءاً من ” قصر شيرين”،  وكانت تحف بي  طيور العطار وضجة طيور ابن سينا لتحملني على نسيان مأساة “شيرين العاشقة” وأنا أمر بأطلال قصرها الأسطوري..
13903170_1349260648436098_5462411851807449333_n

____
*المدى

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *