محمود درويش «الحضور والغياب».. (فيديو)

*غادة قدري

ثمان سنوات مرت على عمر الموت الذي غيب واحدا من أهم الشعراء العرب، وأكثرهم حساسية وأشدهم دقة في التعبير عن الحنين إلى الوطن المفتقد، وأكثرهم وطنية، ولا يزال حاضرًا بشعره يتغنى به أحباؤه وأعداؤه على السواء.

ولعل التقرير الذي نشرته صحيفة الأوبزرفر البريطانية، وأعده مراسلها بيتر بومونت من مدينة القدس المحتلة، أشار إلى وجود حالة من الغضب في الأوساط اليمينية في إسرائيل، بسبب بث قصيدة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، عبر إذاعة جيش الاحتلال.

وقال بومونت، إنه على الرغم من أن درويش ينظر إليه كأحد أهم رموز الأدب الفلسطيني، فقد وجه وزير الدفاع الإسرائيلي اليميني أفيجدور ليبرمان انتقادا لأعماله مشبها إياها بكتاب «كفاحي» للزعيم النازي أدولف هتلر.

وأوضح التقرير، أن هذا الجدل ثار بعدما أدرجت إذاعة جيش الاحتلال قصيدة درويش «بطاقة هوية» ضمن فقرة تعليمية، ولفت إلى أن ليبرمان استدعى رئيس الإذاعة لتوبيخه بسب ذلك.

في مثل هذا اليوم خضع محمود درويش الشاعر الفلسطيني إلى جراحة في القلب بالولايات المتحدة الأمريكية، لكنه لم يفق منها ورحل تاركا خلفه قصائده الباقية بعض الجدل الدائر حوله واتهامات كثيرة، مازالت تطاله حتى بعد وفاته بسبب حبه لفتاة يهودية ونشاطه السياسي في أحد الأحزاب اليهودية.
256683

أما قصته مع الحب، فقد بدأت داخل الحزب اليهودي «راكاح» عندما التقى بفتاة تدعى تمار بن عامي والمعروفة بـ«ريتا» وسرعان ما انتهت بعد أن فرقت السياسة بينهما عندما تم استدعاءها للجندية بسلاح البحرية بالجيش الإسرائيلي، لأنها كانت ترى أنها تؤدي واجبها الذى يتعارض مع قضية حبيبها الوطنية، وكانت تمار بن عامي، قد ظهرت فى فيلم «سجل أنا عربي» للمخرجة ابتسام مراعنة، الذى عرض فى تل أبيب فى مايو من عام 2014، وحصل على جائزة الجمهور، وعرضت فيه بن عامي صورا فوتوغرافية تجمعها مع الشاعر، محمود درويش، ورسائل كتبها لها بخط يده بالعبرية لتؤكد أنها هي بطلة قصيدتي «شتاء ريتا الطويل» و«ريتا والبندقية».

لماذا انضم محمود درويش إلى حزب «راكاح»؟

اختار درويش الانضمام لراكاح الإسرائيلي ليس للتطبيع كما يظن البعض، فهذا هو أحد أجنحة الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي انشق عام 1965 وأدان حرب 1967 والاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المجاورة، كما طالب بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر عام 1967، على أساس أنه يقدم حلا عادلا للنزاع العربي الإسرائيلي.

ولذلك تم إقصاء الحزب عن الحكومات الائتلافية الإسرائيلية في ذلك الوقت بسبب موقفه المعادي للصهيونية، كما استبعد أعضاؤه فى الكنيست من دخول اللجان المهمة، إضافة إلى أن معظم مؤيديه هم من العرب واليهود الملتزمين بالخط الاشتراكي الماركسي اللينيني، وانضم درويش لعضوية الحزب بعد أن أنهى تعليمه الثانوي من أجل المقاومة، معتبرا الحزب ونشاطه المناهض للكيان الاسرائيلي أقوى حليف سياسي.

وبرغم ذلك لم يسلم درويش، حين كان عضوا فى «راكاح»، من مضايقات الاحتلال الصهيوني، حيث تم اعتقاله أكثر من مرّة منذ العام 1961 وحتى عام 1972، بتهم تتعلق بأقواله ونشاطاته السياسية الماركسية، ثم نزح إلى مصر وعاش حياته متنقلا، ثم استقر فى لبنان فترة وعمل فى مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

مستشار ياسر عرفات في الشؤون الإسرائيلية

درويش من أهم «الباحثين» الذين فهموا إسرائيل فهما عميقا، لذا استمع عرفات إليه بشغف، واستشاره في الشؤون الإسرائيلية، وكلفه بكتابة خطابه الذى ألقاه فى الأمم المتحدة سنة 1974، كما كتب إعلان الاستقلال الذى قرأه ياسر عرفات أمام المجلس الوطني فى الجزائر سنة 1988، وأيضا كتب خطاب عرفات أمام اليونيسكو سنة 1993، وخطابه فى حفل تسليمه جائزة نوبل فى سنة 1994، وكتب درويش أجمل قصائده عن ياسر عرفات، مثل قصائد «مديح الظل العالي»، و«قصيدة بيروت»، و«رثاء ياسر عرفات».

ومحمود درويش الذي رحل عنا في مثل هذا اليوم، قبل 8 أعوام، ولد لأسرة تعمل في الزراعة من قرى عكا بفلسطين، كتب الشعر وهو طالب، وكان عضوا في هيئة جريدة «الاتِّحاد»، لسان حال الحزب الشيوعي المذكور، الصادر في حيفا، تنقل في المناصب في منظمة التحرير الفلسطينية واستقال منها في بداية التسعينات اعتراضا على اتفاقية أوسلو عام 1993.

والقصيدة، التي أزعجت الكيان الصهيوني، «بطاقة هوية» كتبها درويش في العام 1964، واقتبس من كلماتها اسم العمل الوثائقي «سجل أنا عربي» الذي يتناول حياة الشاعر الراحل الذي غيبه الموت في الـ9 من أغسطس/ أيلول عام 2008، وتقول كلماتها:

« سجل/ أنا عربي/ ورقم بطاقتي خمسون ألف/ وأطفالي ثمانية/ وتاسعهم سيأتي بعد صيف/ فهل تغضب.

سجل/ أنا عربي/ وأعمل مع رفاق الكدح في محجر/ وأطفالي ثمانية/ أسل لهم رغيف الخبز/ والأثواب والدفتر/ من الصخر/ ولا أتوسل الصدقات من بابك/ ولا أصغر أمام بلاط أعتابك/ فهل تغضب.

سجل/ أنا عربي/ أنا إسم بلا لقب/ صبور في بلاد كل ما فيها يعيش بفورة الغضب/ جذوري/ قبل ميلاد الزمان رست/ وقبل تفتح الحقب/ وقبل السرو والزيتون/ وقبل ترعرع العشب/ أبي من أسرة المحراث/ لا من سادة نجب/ وجدي كان فلاحا/ بلا حسب و لا نسب/ يعلمني شموخ النفس قبل قراءة الكتب/ وبيتي كوخ ناطور/ من الأعواد والقصب/ فهل ترضيك منزلتي/ أنا إسم بلا لقب.

سجل/ أنا عربي/ ولون الشعر فحمي/ ولون العين بني/ وميزاتي/ على رأسي عقال فوق كوفية/ وكفى صلبة كالصخر/ تخمش من يلامسها/ وعنواني/ أنا من قرية عزلاء منسية/ شوارعها بلا أسماء/ وكل رجالها في الحقل والمحجر/ يحبون الشيوعية/ فهل تغضب.

سجل/ أنا عربي/ سلبت كروم أجدادي/ وأرضا كنت أفلحها/ أنا و جميع أولادي/ ولم تترك لنا ولكل أحفادي/ سوى هذي الصخور/ فهل ستأخذها

حكومتكم كما قيلا/ إذن سجل/ برأس الصفحة الأولى/ أنا لا أكره الناس/ ولا أسطو على أحد/ ولكني إذا ما جعت/ آكل لحم مغتصبي/ حذار حذار من جوعي/ ومن غضبي.
_________
*قناة الغد العربي

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *