صداقة الطفل والشيخ في القصيدة الملتوية لأدونيس

خاص- ثقافات

* عبدالجليل لعميري

      تدعو دراسة الناقد والشاعر الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح، والتي تحمل  عنوان (الوجه الضائع) إلى الإفادة من رمز الطفل وتوظيفه في أشعار الشعراء .وذلك باعتبار أن مرحلة الطفولة باعتبارها مرحلة تاسيس للذات الشاعرة في بداياتها ،تعتبر خزانا مشتركا لكل المبدعين و في  جميع مجالات الإبداع (القصة والرواية والسينما …).انها سند إنساني للمبدع بغض النظر عن كونها كانت سعيدة او شقية …فإذا كان الطفل حسب هذا التعريف : ذلك الكائن الصغير الحيوي الذي لا يكف عن الحركة و الضحك و اللعب و الشيطنة..فما مبرر حضوره في القصيدة/الإبداع ؟ هل ذلك حنين إلى ذات الطفولة ؟هل هو شكل من أشكال التمرد على الزمن؟ وما دلالة ترافق وتجاور الطفل بالشيخ أو الطفولة بالشيخوخة في قصيد أدونيس؟؟

  تحضر صورة الطفل في قصيدة (أين النّجمةُ التي سترمي بسهمِها كبدَ الليل؟)ملتوية كروح القصيدة ، إما بشكل صريح (طفل /طفولة ) او بشكل ضمني مبطن (الولادة/الذاكرة) وهو طفل يرى العالم الراهن ( استعمال الشاعر لأزمنة المضارع :في حاضر يمد نفسه سريرا للموت) بعين غير راضية و يشاركه في ذلك الشيخ (تشيخ / العكاز/ الشيخ) الذي يقرأ الوضع العربي المأزوم بعد ما سمي “بالربيع العربي” ، فبعد أن كان الربيع مرادفا للتجدد والتحول الايجابي في الطبيعة أصبح نقيضا لمعناه :” فجأةً،

شَهَرَ الرَبيعُ أسلحتَه الفتّاكة المتنوِّعة الكثيرة،

وأخذَتْ جيوشُه

تُهاجِم الفصولَ وتقطعُ الدّروب”.

وأصبحت” الصّحراءُ تطوِّق المدينة:

وما من غزالةٍ تمرّ.”.

يتواطأ الطفل والشيخ في الشاعر ليفضحا ما تتعرض له حياة الإنسان العربي من مسخ وتدمير فضيعين  وذلك من خلال سؤال مأساوي :” الحرب؟

كيف يمكن أن تكون هذه الكلمة مكوّنة من الحروف نفسها

التي تتكوّن منها هذه الكلمات:

حبّ، بحر، حِبر”.

كيف تمجد الحرب ويغتال الحب والطبيعة والإبداع ؟

  الشاعر في شيخوخته يستدعي الطفل فيه ليكون شاهدا على مأساة الإنسان العربي الذي أصبح فيه تجار الحرب والدين  يمجدون الحرب ويدمرون الحضارة :

البيت؟

لم يَعُد إلا فاصِلةً

بين شارعٍ يتهدّم وأجسامٍ تحترق.

و” الــشّارعُ أشجــارٌ قُصــِفَتْ، وبيـوتٌ أُحرِقَتْ:

الأشجارُ تاريخُ سهولٍ تتصحَّر،

والبيوتُ تاريخٌ من الفراغِ والرّماد.

تصبح الطفولة و الشيخوخة شاهدتين على الخراب….والقتل والضياع لا لسبب سوى لأن : الفراغُ في الرّأْسِ، أيُّها العابِرُ

والمِلْءُ في القدَمَين والمَعِدة.

فاحتقار العقل وتغييب الحب والإبداع يولدان التصحر ويجعلان القاتل المزهو بالخراب يتحكم في رقاب الآخرين…ويتفنن في التخريب…

 يلتقي طفل الشاعر وشيخه في مراقبة اللحظة التاريخية المأزومة التي يمر بها العالم العربي :

في حاضرٍ يمدّ نفسَه سريراً للموت”حيث :” ليس للفجيعة حبرٌ

للفجيعة صوتٌ مخنوقٌ”.فيلجأ الشاعر إلى عكازه/ذاكرته/طفولته :” أعْطِني يدَكَ أيُّها العكّازُ

الذي يجلس على كرسيّ الذّاكرة”.

فهروبا من هذا حاضر الخراب العربي يحتمي الشاعر في شيخوخته بالطفل فيه : نسِيَ الشّيخُ، هذا الشّيخُ، كلّ شيءٍ

إلا كلمةً واحدة: الطّفولة.

  ان قصيدة (أين النّجمةُ التي سترمي بسهمِها كبدَ الليل؟) هي مديح للطفولة وهجاء للواقع العربي بعد ما سمي “بالربيع العربي”. وهي استراحة شاعر شيخ في ظلال طفولته هروبا من زمن الشيخوخة الشعري والسياسي وهي بيان شعري لأدونيس يشي بحضوره في المشهد الشعري الحديث معلنا عن دعوة  شعرية خاصة :

لا تُحاوِلْ أن تقدِّم لقارئكَ جواباً، أو معنى.

حاوِلْ، على العَكْس،

أن تُغريَه باكتشاف معنى،

وبِطَرْح الأسئلة.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *