الأبوكريفا أو العَــهـْدُ اللايأتي

*المصطفى رجوان

خاص ( ثقافات )

قراءة في العتبات

إنهم فتية آمنوا بأن الشعر يمكن أن يغير العالم،اختاروا أن يتبعوا ما لا يتبعه الآخرون،وأن ينأوا بإيمانهم الشعري عن النمطية،وعن أصنام القوالب الجاهزة.ويقول الغلاف إنهم ثلاثة: عادل لطفي، وعمر الأزمي، ومهدي العمري.

ولقد عرفنا العهد اللذيذ ولذته وزرقته، عهد عمر الأزمي،وقد عرفنا العهد القديم والعهد الجديد.فما تكون هذه الأبوكريفا؟وما يكون هذا العهد اللايأتي؟ الأبوكريفا كلمة يونانية تعني الخفي أو السري.وهو مصطلح مرتبط أساسا بالعهدين القديم والجديد،وهي نصوص دينية من عمل الإنسان تم نحلها إلى الكتب المقدسة،فليست كلمة الله.ويبدو أن مسمى أبوكرايفا منسجم مع هذا الديوان،لأنه من صنع ثلاثة من حواريي الشعر.

أما العهد اللايأتي،فلا مجال للشك أن يعني العهْدُ السفرَ المقدسَ على غرار العهد القديم (التوراة) والعهد الجديد (الإنجيل).
كما نقرأ في فهرس الديوان عناوين نصوص مثل:سفر العسل،سفر السقطة،سفر القربان،سفر التيه،سفر الإكليل … أما صفة اللايأتي فتحتاج إلى غوص في بحار غير مألوفة.ونطالع في العهد الجديد: “يوحنا شهد له و نادى قائلا هذا هو الذي قلت عنه إن الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي.”(إنجيل يوحنا:15/1)،ونطالع أيضا قول جمال الدين الرومي: ماذا تريد؟ ما لا يأتي.إذن العنوان ينهل من معين لاهوتي ومعين صوفي على الأقل.هكذا يزعم عنوان الديوان أنه أتى بالذي لا يأتي،وهناك مفارقة طريفة بحق. ولا بدع،لأن الشعر هو الجري وراء اللايأتي وما لا يتأتى والكلمة المستحيلة.

لمحة سريعة:لقد كانت النصوص الدينية القديمة شعرا وليس نثرا،بل كان الشعر يطغى على كل ما هو أدبي وخارج عن التداول اليومي.و”شير” العبرية المرادفة لشعر في العربية تعني (الترتيلة الدينية).ونجد أبياتا من الشعر في النصوص التوراتية،وفي مزامير داود.ونجد ذلك أيضا في نصوص عربية فصيحة مثل نصوص التلبيات،وفي نصوص من جنوب الجزيرة العربية بالحميرية.

ونستطيع الآن أن ندخل الديوان محملين بفرضياتنا ولهفتنا.قبل قراءته كنت أظنه ديوانا جماعيا،بمعنى أن لكل شاعر عدد من قصائده المستقلة عن قصائد الشاعرين الآخرين،فإذا بها قصائد مشتركة على نحو غير مألوف.وإذا بها قصائد ذات فقرات موزونة كلها على الخبب/المتدارك،مقفاة في نهايتها.قصائد حوارية عبر الرد والتعليق:

عمر: أَقْسَمْتُ بِكُلِّ أَناجيِل التّوتِ البريِّ بِأَنَّ التُّوتَ البريَّ تواضَعَ مِنْ سدْرَتِهِ كيْ يَرْشفَ مِنْ ماءِ الشَّفَتَيْنِ كَما لَوْ أنَّ الشَّفَتَيْنِ هُما سِرُّ ألوهَتِهِ .. وَكَما لَوْ أنَّ الشَّفَتَيْنِ هُما التُّوتُ البَرِّيْ !!

عادل: نصُّكَ يُسْكرُ عند قراءته التّوتَ البريّ المستنبتَ في الأرواحْ … نصُّكَ روحُ التّوتِ و قد صُبَّتْ في الأقداحْ … نصّكَ يُشربُ ياصاحْ..

عمر: تَعليقُكَ قَدْ سرق الشّعرَ من التوت البريِّ… وترك التوتَ البريَّ بلا شِعْرٍ … قُلْ لي أيَّ إلهٍ يَعبدُهُ الشّاعرُ :

تعليقَكَ أمْ هذا التّوتَ البَرّي ؟

الديوان حفلة تعالق نصي بين مجموعة من النصوص من مختلف الثقافات.ورغم أن العنوان يوحي بارتباطه بالعهدين القديم والجديد إلا أننا نجد التناص القرآني حاضرا من خلال مفردات القرآن الكريم وقَصصه وأسلوبه،ويهيمن على فقرات القصائد.( ألقى السَّحَرَةُ واجتمع الناس ضحىً – الخِضرُ / الشّاعرُ يَثْقبُ سفنَ النّصِّ – كانَ التّعليقُ كَـثَاني اثْنينِ و في باب الغارِ حمامُ الشِّعرِ يبيضُ).

بعد قراءة في الديوان لا تشبع،أحسست قصائد تسلخ عن المشهد المغربي جلده القديم،تبشر بعهد لا يأتي،ورأيت أصواتا تتماهى في صوت واحد وتنصهر لتكون روحا وحدة،ووجدت ثلاثة شعراء يقفون على تراث إنساني خصب يعطيهم شجاعة الوقوف بوجه البشاعة وصلابة الموقف،وتحيط بهم هالة لغوية طاعنة في القداسة والسمو.وهذه ليست قراءة فعلية في الديوان،هي فقط جولة في إطاره الخارجي واستنطاق للعتبات،لأن الديوان يستحق مساحة كبرى من النقد وبأدوات غير تقليدية.

وسلام على الشعر يوم يولد،ويوم يموت مع أولئك،ويوم يبعث مع هذا الجيل حيا.

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *