الموسيقى


*إبراهيم عبدالمجيد


اليوم هو أول أيام العيد. مؤكد أن هناك أمس من استمعوا إلى أغنية أم كلثوم الخالدة « ياليلة العيد آنستينا « التي كتبها العظيم أحمد رامي ولحنها العظيم أيضا رياض السنباطي.
يا ليلة العيد آنستينا
وجددتي الأمل فينا
هلالك هل لعنينا
فرحنا له وغنينا
وقلنا السعد حيجينا
على قدومك يا ليلة العيد
جمعتي الأُنس ع الخلان
ودار الكاس على الندمان
وغنى الطير على الأغصان
يحييِ الفجر ليلة العيد
حبيبي مركبه تجري
وروحي في النسيم تسري
قولوا له يا جميل بدري
حرام النوم في ليلة العيد
هذه واحدة من عصر الطرب العظيم الذي ولله في خلقه شؤون كان ومصر مُستعمَرة إنجليزية. صحيح أن الأغنية شدت بها أم كلثوم لأول مرة عام 1939. أي بعد معاهدة 1936 التي قللت من نفوذ بريطانيا وحصرت قواتها في منطقة قناة السويس والتي رغم ذلك لم تكن على هوي الحركة الوطنية حتي أعلن النحاس باشا إلغاء هذه المعاهدة عام 1951 وبدأت بعدها المقاومة المسلحة للقوات البريطانية.
لقد بدأ عصر الطرب العظيم في القرن التاسع عشرمع إسماعيل باشا ثم ازدهر وتألق بعد ثورة 1919 مع سيد درويش ثم عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان وفريد الأطرش. واستمر عصر الطرب العظيم بعد يوليو 1952 لأن من أداروا البلاد كانوا من متعلمي الفترة الملكية. وظهر الموجي وكمال الطويل ومحمود الشريف وغيرهم. كان هناك تفاؤل كبير وحب رائع للحياة رغم التضحيات الهائلة التي قام بها المصريون من أجل الاستقلال. كيف كنا تحت الاستعمار علي هذه الدرجة من الروعة في الفنون والآداب وكيف استمر الأمر بالدفع الذاتي حتي الستينيات ، ثم بدأ الاضمحلال بالذات في الموسيقي رغم وجود أسماء عظيمة مثل سيد مكاوي وعلي إسماعيل وعمار الشريعي وعمر خورشيد وفاروق سلامة وحلمي بكر ومحمد سلطان ومحمد نوح وراجح داوود وغيرهم. لقد انحدرت الموسيقي رغم هذه الأسماء العظيمة بينما الأدب ظل مقاوما بل يتجدد كلما أظلمت كما يتجدد كلما أضاءت. تخيل هؤلاء الذين كانوا في حفلة أم كلثوم والذين حضروا كل حفلاتها بعد ذلك ، تخيل كيف كانت مصر تكاد تخلو بعد الساعة العاشرة مساء من الناس تحت الاستعمار وبعد الاستقلال وتحت هزيمة 1967 وبعدها وبعد حرب أكتوبر أيضا حتى منتصف السبعينات أو بعده بقليل. راح الناس يبتعدون عن الموسيقي والحفاوة بالغناء شيئا فشيئا رغم الأسماء الرائعة التي ذكرتها وظهرت موسيقي وأغنيات عشوائية مثل المباني التي بدأت تظهر وأصبحت هي الملمح الرئيسي للبلاد. وحتى بعد أن حدثت ثورة مثل يناير أظهرت المعدن النفيس للشعب وكان الميدان يزهو بالأغنيات الوطنية على طول تاريخ مصر منذ سيد درويش حتى الشيخ إمام وشباب الفرق الموسيقية الذين تغلق في وجوههم الإذاعات والتليفزيونات الرسمية ، سرعان ما تمت المؤامرة على الثورة وانفتح من جديد طريق العشوائيات في الفكر والفن والبناء. 
كان المصريون أكثر رقة أيام الاستعمار رغم نضالهم بسبب فتنتهم بالموسيقي وصاروا الآن اكثر عنفا رغم ما يقال عن الاستقرار لماذا ؟ لأنهم كانوا يستمعون إلى الموسيقى وإلى الطرب العربي الأصيل ولم يكن غير ذلك من أغنيات فجة وموسيقى بلهاء شائعا إلا في الخمارات التي يعرف من يذهب إليها إنه سيستمع إلى تفاهات. وبالمناسبة ليست كل الخمارات كانت تفعل ذلك ! كانت الموسيقي في المدارس منذ المرحلة الابتدائية وفي الحياة وليس مثل الموسيقي يرقق الأرواح. 
استمعوا إلى الموسيقي الحقيقية لتستطيعوا احتمال قهرالحياة من حولكم. أجل. بالموسيقي أيضا تعبرون الأزمات وتتحملون كل قهر وتضعونه في مكانه فلا تزيحوه قهرا لمن حولكم ممن هم أضعف منكم، بل تردونه إلى أصحابه الأقوى منكم مسرورين !
______
*أخبار الأدب

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *