الوصفة السريّة للحياة الصحيّة




*مهند النابلسي


خاص ( ثقافات )
يقول المؤلف البريطاني الشهير داوكينز في كتابة الجينة الأنانية إن الميزات المكتسبة ليست متوارثة، فمهما بلغ الإنسان من المعرفة و الحكمة خلال حياتة فلن يستطيع (من وجهة نظره) تمرير ذرة معرفة واحدة إلى أولاده عن طريق الجينات! وأنا بتواضع لا أصدق هذا الكلام فالإنسان يستطيع أن يورث أولادة جينات الموهبة أو الغباء وطرق التفكير السببية، فنحن مسيرون بشكل ما عن طريق جيناتنا الوراثية، فالعلماء والأذكياء والموهوبون غالبا ما يورثون أبناءهم قدرات جينية تؤهلهم للسير قدما في الحياة، أما ذرات المعرفة المكتسبة فلكل إنسان حياتة ومعرفتة المكتسبة وخبراتة الخاصة به وليس في حاجة لأن يرث ذلك، وخاصة وأن معظم الناس يكتسبون هذه الخبرات والحكمة متاخرا في مسيرة الحياة بعد أن يكونوا قد أنجبوا ذريتهم، ناهيك عن أن وراثة هذة الخصائص تحديدا سيؤدي للتكرار والملل وقلة الإبداع!.
ونحن كبشر معرضون في هذه الحياة لضغوط عصبية ونفسية هائلة، وإذا كان قدرنا أن نكون من فئة شعوب العالم الثالث او الثاني، ناهيك عن ضغوط الحياة الهائلة والتغييرات والتداعيات الهائلة التي رافقت وما زالت أوضاعنا كعرب ومسلمين، وبالرغم من ذلك فهذه ليست أسبابا وجيهة لكي نبقى دوما متشنجين متوترين، فنوائب الدهر والحياة كثيرة ، وعلى الإنسان أن يحافظ على التوازن بين قدراته الجسمية والعصبية والعقلية لكي ينجح باجتياز رحلة الحياة بالقليل من المعاناة والتوتر والأمراض، ولنلاحظ ببساطة أننا شعوب ” متجهمة ومكشرة ” ونضغط أحيانا على أعصابنا أكثر من اللازم، كما أننا نفتقد في حالات كثيرة لروح “الدعابة والمرح والفكاهة ” والتي ليست لها علاقة ” بالتهكم والتجريح والتهريج “، معتقدين خاطئين أنها تضر وجاهتنا العتيدة وقوة شخصيتنا والصورة الصارمة المطلوبة لمظهرنا …
وهذا خطأ: فالمرح والفكاهة وحتى السخرية الطريفة والنقد البناء، قد تعتبر أحيانا أدوات نفسية قد تساعد على مواجهة الإخفاقات والإحباطات المتتالية والوجاهات المزيفة، وقد تسمو بنا لآفاق رفيعة من السلوك الراقي البعيد عن التفاهات والابتذال…وهي كفيلة بتزويدنا بقدرات نقدية ذاتية تجعلنا نتأمل مواطن العيب والتشنج في سلوكنا وتصرفاتنا، ونكشف عن مواطن الغرور والزيف والعظمة الوهمية! وقد قرأت كتابا عن الاسترخاء وفنونه، وأريد أن يشاركني القارىء متعة الاطلاع على خفايا هذا الفن الرفيع، الذي نحن بأمس الحاجة لممارسته في حياتنا اليومية : يعرف الاسترخاء بأنه حالة نفسية وجسدية تؤمن للإنسان طمأنينة كاملة، وهو نوعان متكاملان، الاسترخاء الجسدي التدريجي والاسترخاء النفسي أو العقلي.
يعتقد معظم الناس أن الاسترخاء يكون بسماع الموسيقى والأغاني أو في مشاهدة بعض البرامج التلفزيونية أوالقراءة الهادئة، وهذه وسائل لتمرير الوقت وقد تساعد على الاسترخاء أحيانا ولكنها ليست فعالة كفاية، ولواستعرضنا قائمة الأشخاص الذين يلزمهم الاسترخاء لوجدنا أنفسنا بشكل او بآخر ضمن أحد البنود التالية :
 الشخص الذي لا يستغني عن التقدير والمكافأة.
 الشخص الذي يفعل أمورا كثيرة في الوقت ذاته.
 الشخص الذي يحتاج دوما للربح والتحفيز.
 الشخص الذي يحمل يومه فوق المستطاع.
 الشخص الذي يميل بشكل مفرط للمزاحمة.
 الشخص الذي يعمل أكثر من اللازم وساعات إضافية.
 الشخص الذي يكون هاجسه العجلة. 
 الشخص الذي يلتزم بمشاريع عديدة ذات مهل محددة.
 الشخص الذي يفقد صبره إذا كان هناك تأخير. 
 الشخص الذي يشعر بأهميته ويعاني من تضخم “الأنا”.
 
ونلاحظ أن التوتر العصبي يظهر في السلوكيات التالية : صرالأسنان وقضم الأظافر واللعب بالشعر وإغلاق الفم بقوة، العزلة وعدم الاطمئنان للناس وفقدان الثقة بالأصدقاء، عدم الارتياح لمسرات الحياة، الشعور بالتعب المزمن والغضب لأسباب تافهة لا تستحق الانفعال، كما نلاحظ تفشي مظاهر الحساسية المرضية، وليس هناك أسهل من إثارة شخص متوتر الأعصاب! وعلى عكس الاعتقاد السائد فكثرة النوم لا تزيل الارهاق والتعب، أما من ينام عميقا ست لسبع ساعات يوميا ، فسيشعر بقدر كاف من القوة والنشاط. 
يؤدي الإجهاد العصبي والتوتر الدائم للذبحة القلبية والقرحة الهضمية، وهناك تقنيات سهلة يمكن تبنيها لمقاومة الإجهاد والتوتر منها: أسلوب استرخاء الأطراف وأسلوب التمطي المعروف ( كالقطة )، الاستقامة في الوقوف والجلوس، وليكن شعارنا اليومي: العقل سيد الحواس، والتنفس يسيطر على العقل، فلماذا لا نزيد من فاعلية تنفسنا العميق؟! ثم يتطرق الكتاب لثلاثة عومل رخيصة ومتوفرة تساعدنا على الاسترخاء وتقوية الجسم وهي الضوء والهواء والشمس، فالحمامات الهوائية الصباحية القصيرة لا تتطلب منا إلا التنفس العميق، وكذلك المشي في الربيع والخريف صباحا وعصرا، واستغلال النسمات المسائية الرائعة قي أجواء الصيف للمشي بدلا من الجلوس في المقاهي وتدخين الأرجيلة أو السجائر … وهناك سلوكيات استرخاء بسيطة تكمن بالصمت والتأمل والتنزه في المناطق الخضراء وعلى الكورنيش، ولن ننسى دور الاستحمام البارد او الفاتر والساخن، رفع الرجلين لأعلى أثناء الجلوس على الأرائك في المنازل والتدليك والتعرق، تربية بعض الحيوانات المنزلية الأليفة ومحاولة التواصل معها.
هناك جملة عناصر أخرى تقصر من حياتنا مثل المخدرات والمهدئات ومختلف أنواع التلوث البيئي والتدخين والتوتر والفشل والإحباط وقلة التعليم والوزن الزائد والإرهاق وأكثر من خمسة أكواب من القهوة يوميا ومن ثم النوم القليل وأمراض كالسكري والقلب والسرطان، وكلها عادات وممارسات وأمراض نتعرض لها في رحلة الحياة وقد لا نستطيع تجنبها، وبالمقابل فالعمر الطويل قد يكون سمة وراثية أساسا ولكن تشغيل الدماغ باستمرار وتناول الأسبرين يوميا وخمس حصص من الفواكة والخضروات والماء النقي وبعض المكسرات وتنظيف الأسنان يوميا حيث ثبت علميا واحصائيا أن هذه الممارسات والعادات الإيجابية تساعد في التحايل على الموت وقد تضيف لعمرك عدة سنوات، كذلك لا تنسى أن تكون متزوجا وسعيدا وأن تنعم بالاستقرار العائلي وأن تمارس العبادة والصلاة بانتظام……
هكذا لا توجد ضمانات مؤكدة في معادلة الحياة والموت ولا يستطيع انسان ما أن يعيش حياة مثالية بدون أن يتعرض للتوتر والقلق والمشاكل الأسرية وقلة النوم والتي قد تجبره على ممارسة عادات رديئة كتناول الطعام الغني بالدهون والحلويات، وكذلك المهدئات والمسكنات بكثرة، أو كتدخين السجائر والأراجيل وكثرة تناول أنواع العصائر المحلاة والصودا والمشروبات الغازية الفوارة وربما الكحول بأنواعه.
وأود في نهاية هذه المقالة التركيز على نوعين من الاسترخاء نظرا للفوائد الجمة التي يمكن أن تجنى من تطبيقهما :
• الإيحاء الذاتي ويعني طلب الهدوء والإحساس بالثقل والدفء ، ويتمثل في حالاته المتطورة بإدراك دقات القلب والتنفس بالشهيق والزفير ، وقد يتوصل الإنسان بعد ممارسته لفترة معينة لاسترخاء تام واستعادة للسلام الذاتي والهدوء الداخلي للسيطرة على النفس .
• العلاج بالموسيقى، وهو يختلف عن مجرد السماع اليومي للموسيقى والأغاني، وتشمل مجالات العلاج بالموسيقى والسيطرة على الانفعالات والمشاعر، وتتطور لتتجاوز الشعور بالألم، وقد أثبت العلاج الموسيقي نجاعته في الوقاية من الاضطرابات النفسية والعاطفية .
• 
لقد اقتبسنا من الغرب على مدى العقود ” موسيقى وأغاني الديسكو الزاعقة ” التي تصم الآذان وتوتر الأبدان ، وحولناها لضجيج وزعيق محلي ، يسمح لكل مدعي الغناء أو الموسيقى أن يصول ويجول ساعات وهو يصرخ ويطبل أمام أجهزة الصوت الإلكترونية، حتى يزعج الخلق والعباد المساكين ويصيب الجميع بالصداع والتوتر، وبدا أحيانا وكأن عامة الناس لا يملكون بمعظمهم ذائقة موسيقية راقية، وانتشرت كذلك أصناف الأغاني الشعبية الهابطة وأنواع الموسيقى “المعدنية ” الشيطانية وكذلك صنوف موسيقى وأغاني “الراب” ( الغربية والعربية )، ونسينا الموشحات الأندلسية الراقية والأغاني الطربية والفولكلورية الوطنية الجميلة، وكلاسيكيات الغناء العربي الساحرة الشجية ( كعبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم وفريد الأطرش …الخ )، ولم نقتبس من الغرب حبه وشغفه بألوان الموسيقى الكلاسيكية الرائعة ( كسينفونيات باخ وبتهوفن وفاجنر وموسارت وشايكوفسكي وغيرهم )، وكادت الموسيقى في غمرة انحسار الذائقة الموسيقة الراقية (التي أصبحت حكرا على النخبة) أن تتحول إلى وسيلة إزعاج وإرهاق عصبي. 

شاهد أيضاً

ابن ملكا البغدادي.. سبق غاليليو ونيوتن باكتشافاته

ابن ملكا البغدادي.. سبق غاليليو ونيوتن باكتشافاته يقطان مصطفى منذ منتصف القرن الحادي عشر وحتى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *