صائد الأحلام


*محمد أبوعرب


واحدة من المرات القليلة في الأدب العربي الحديث، كانت الكتابة فيها رهينة النوم، وهي واحدة من التجارب المتفردة التي قدمها كبير الرواية العربية نجيب محفوظ، حين كتب «أحلام فترة النقاهة»، محققاً بذلك عالماً موازياً للواقع يفوقه سحراً، وجمالاً، وإثارة، وتكشفاً. 
كتب محفوظ مؤلفه ذلك بعد أن تعرض لمحاولة اغتيال، كان على أثرها راقداً في الفراش، حيث حالت السكين التي غرست في عنقه من تحركاته الكثيرة، ومتابعة قراءاته، وكتاباته، فكان يعرف أخبار البلاد من الأصدقاء، ويملي مؤلفه «أحلام فترة النقاهة» على سكرتيرة صديقه، الحاج صبري محمود.
تفتح تلك السيرة اللا واعية الشهية على فكرة الأحلام في تاريخ الآداب، والعلوم، والفنون، فما كتبه محفوظ لم يكن تلك النصوص القائمة على السرد، والتصوير، والتكثيف، والحذف، وحسب، وإنما كانت منفذاً لقراءة عالم لا يقل أهمية عن سيرة اليومي في حياتنا. 
لفتت الأحلام العقل البشري منذ وقت مبكر، فلم تكن شاغل فرعون مصر وحسب، في سنواته السبع العجاف، وإنما شغلت مجمل الحضارات، والثقافات، فكان لمحمد بن سيرين وقفته الشهيرة عند الأحلام، إذ تعامل معها بوصفها لغة تحتاج إلى من يفك رموزها ليعرف رسالتها، فكتب تفسيرها الشهير قبل قرابة 1300 عام. 
ليس ابن سيرين وحده من اشتغل على الأحلام في التراث العربي، فكثيرة هي الاجتهادات التي راحت تحقق الكشف الاصطلاحي المعرفي، حول الحلم، والرؤيا، والإيهام وغيرها من المفاهيم ذات الامتدادات المتصلة، والمتربطة بالعقل اللا واعي، فكتب ابن خلدون، وابن عربي، وابن رشد، وغيرهم .
مقابل هذا الاشتغال التاريخي، لا يمكن المرور على الأحلام من دون الوقوف مطولاً عند فرويد، الذي صار قرين الأحلام، وفاتح بابها الحديث، حيث شكلت جهوده في التحليل النفسي للأحلام ثورة معرفية كبيرة، أثرت في الفلسفة، والأدب، والفنون، والغناء، والسينما.
امتد أثر فرويد إلى اللوحة التشكيلية فكان محركاً رئيسياً في السريالية، وألهم كبير السرياليين سلفادور دالي وهو يرسم الزمن السائل، والخيول التي تأكل الغيم، وترك فرويد لسحره أن يصيب الفنان الروسي الفذ مارك شاغال ليمتع العالم بلوحاته .لم يتوقف سحر الأحلام عند فتنة العقول المبدعة الكبيرة، فمن يقرأ كتاب غاستون باشلار «الماء والأحلام» لا شك أنه سيسقط في فتنة الحلم، ومن يقرأ رائعة خوسيه ماريا ميرينو «رؤى لوكريثا» سيعرف أن الأحلام قد تقود إلى المشانق، وقد تنقذ بشرية بأكملها، فكما ظل الشاعر الفرنسي بول فاليري يقول: «أفضل وسيلة لتحقيق أحلامك هي أن تستيقظ»، فمتى سنستيقظ؟
_______
*الخليج

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *