لماذا تموت الكاتبات كمداً‮‬؟ (8).. نهايات مأساوية لنساء بارزات


شعبان يوسف*




“‬ما زلت لم أضع‮ ‬يدي على حافة البئر

وما زلت أمزج اليابس باليابس
والأخضر بالأخضر
والأزرق بالأزرق
ما زلت أنتظر الفجر
لن أبتسم وأضحك
وأسخر من نفسي كثيرا
لأنني أعيش بين بياض الورق
ووداعة القطط
وأستقبل كل صباح دهشة جديدة
فسوف‮ ‬يأتي آخر آدم في العائلة
ليسألني عن مجري النهر
وآخر عناقيد العنب
سأقول‮ ‬
لم‮ ‬يتبدد العمر
أنا امرأة ذات قلب ونشيد وألم
وما زلت لم أضع‮ ‬يدي على حافة البئر‮….”‬
هذا النص المؤثر، واحد من عشرات النصوص التي كانت تطلقها الكاتبة الراحلة نعمات البحيري، لتبث أحلامها المجهضة، وآمالها المنشودة مع رفيقات دربها، وشبيهات رحلتها، ‮ ‬وهي نموذج بارز في العصامية الأدبية، ‮ ‬إذا صحّ‮ ‬التعبير، ‮ ‬ومنعا للبس، فأنا أقصد أن الظروف التي ولدت فيها نعمات البحيري، ‮ ‬وكبرت على خلفيتها، كانت قاسية إلى حد بعيد، وكانت كفيلة بإنتاج امرأة تبحث عن زيجة متواضعة، وتذهب إلى أي بلد نفطي، حتي تحقق أحلام الثراء التي كانت تتنفس بقوة في سبعينيات القرن الماضي‮.‬
ولأن نعمات لم تختر أن تكون امرأة عادية، فأصبحت امرأة وحيدة في واقع مرير، واقع‮ ‬يضع المرأة في خدمة أغراض المنزل والتطريز وشهوة سلطة الرجل، وكذلك صارت مطلقة حيث إنها فشلت في تحقيق حلم الزواج البسيط بعد أن تزوجت من شاعر عراقي لم‮ ‬يحقق لها سوي تعميق متاهتها، فعادت من بلاده‮ ‬العراق لتعاود الحلم مرة أخري، ‮ ‬ولم ترض بضل الرجل، ولا ضل الحيط، فهي كانت تعاني بأشكال حادة، وكأنها تعيش على مجموعة جمرات متقدة، فأطلقت مبادرتها المدوّية، هي وزميلاتها الراحلة ابتهال سالم، والكاتبات صفاء عبد المنعم وسحر توفيق في الإعلان عن جماعة أو‮ “‬جمعية كاتبات البطة السودة‮”‬، وذلك لمقاومة كافة أشكال التهميش والاستبعاد الفاعلين بالفعل في وضع كتّاب وكاتبات خارج الصورة أبدا، ‮ ‬وإبراز كتّاب وكاتبات طوال الوقت في المؤتمرات الدولية والترجمات كما عبرن عن ذلك في بيانهن الأول‮.‬
وكما كتبن أكثر من مرة، فتاريخ تهميش الكاتبات عميق وجذري ومؤصل، ولا بد من وضع دراسة سوسيو ثقافية حول اكتشاف ورصد ذلك التاريخ كما نحاول هنا، ولكن بشكل انتقائي وبسيط، لكن الأمر بالفعل‮ ‬يحتاج لدراسات مفصلة، ‮ ‬وكنا قد نوهن على بعض نماذج لذلك التهميش والاستبعاد بشكل عام، بل والنفي أيضاً، وذلك‮ ‬حتي على المستوي الطليعي، ‮ ‬وعلي سبيل المثال، فهناك مجلدان عن القصة القصيرة صدرا على التوالي في عامي‮ ‬1968و1969‮ ‬عن سلسلة‮ “‬كتابات معاصرة‮”‬، وتضمن هذان المجلدان نماذج من القصص القصيرة لمحمود تيمور وجمال الغيطاني ويحيي حقي ومحمد جبريل وأمين‮ ‬يوسف‮ ‬غراب وغيرهم من كل أطياف الأدباء، ‮ ‬وصاحبت المجلد الأول دراسة نقدية مطولة لغالي شكري، كما صاحبت المجلد الثاني دراسة لجلال العشري، وخلا المجلدان تماماً من أي قصة لكاتبة واحدة، ‮ ‬ومن استعراض أسماء الكتّاب في المجلدين، ‮ ‬فلم نلاحظ ذلك الانتقاء الذي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يستبعد الكاتبات تحت حجة أنهن متواضعات فنيا، ‮ ‬فالمجلدان‮ ‬يضمان أمين‮ ‬يوسف‮ ‬غراب ومحمود تيمور، كما‮ ‬يضم جمال الغيطاني وجميل عطية إبراهيم، كما‮ ‬يضم كتّابا ليسوا ضالعين ولا معروفين الآن، أي أن الأمر كان عشوائيا إلى حد كبير، ولكن هذه العشوائية لم تحتمل وجود المرأة بأي شكل من الأشكال، ‮ ‬وبالطبع هذا مثال واضح جداً لتهميش الكاتبات، رغم أن ذلك الزمان كان‮ ‬ينطوي على كاتبات ناضجات، ولهن تجارب فنية واسعة وعميقة، مثل تجارب أليفة رفعت وإحسان كمال ونجيبة العسّال وصوفي عبدالله “أم هانئ‮”‬، ‮ ‬وهدي جاد وفوزية مهران وملك عبدالعزيز‮ ‬لها مجموعة قصص قدمها‮ ‬يحيي حقي، وجاذبية صدقي ولطيفة الزيات، وغيرهن من الكاتبات، وكلهن لهن تجارب تستحق الدرس والاحتفاء والإبراز‮.‬
وعندما جاءت السبعينيات، ثم مابعدها من سنوات، حدثت تمييزات أخرى بين الكاتبات أنفسهن، ‮ ‬وتنافست جهات فردية ومؤسسية ونقدية وصحفية في إبراز تجارب، وتهميش تجارب إبداعية نسائية أخري، لذلك كان تمرد نعمات البحيري ورفيقاتها‮ ‬يملك كثيرا من المبررات، ‮ ‬ذلك التمرد الذي نال قدرا آخر من التهميش، لتكمل مؤسسات السلطة متعددة الأوجه دورها الاستبعادي حتى الآن، ‮ ‬ومازالت القضية مرفوعة في محكمة ضمير النقاد والباحثين والمؤسسات، للفت النظر حول هذا العوار الفادح، ويعمل بقوة كقانون‮ ‬يلازم كافة أشكال الفساد الأخرى في الثقافة والفنون، ‮ ‬تلك القوانين التي تجعلنا نندهش من ذلك النفي القصدي لدور المرأة في صياغة الوجدان للجماعة الوطنية‮.‬
بالطبع كانت النتيجة التي لحقت بنعمات البحيري، هو الإحباط المكثف، والشعور للاأمل في محيط‮ ‬يهدر بالفوضى العارمة خاصة أنها تعرضت لهجوم قاس عندما نشرت قصة في مجلة‮ “‬إبداع‮”‬، ‮ ‬فانتقدها بشدة الكاتب والطبيب علاء الأسواني آنذاك في جريدة‮ “‬الشعب‮” ‬الإسلامية، واعتبر القصة خروجا فاضحا على الأخلاق العامة، مما زاد إحباطها، وشعورها المكثّف بالاضطهاد، ‮ ‬ومن جراء كل ذلك أصيبت بمرض السرطان، ليضيف إليها همّا جديدا، لتظلّ‮ ‬تطالب المؤسسات الرسمية، واتحاد الكتّاب البائس، لتحمل نفقات العلاج الباهظة، وصارت نعمات تتردد على المستشفيات، حتي تقاوم ذلك الوحش الأسطوري، وحوّلت تلك المقاومة كعادتها إلى فن، فكما فعلت مع رحلتها الفاشلة إلى العراق، وكتبتها في رواية‮ “‬أشجار قليلة عند المنحني‮”‬، ‮ ‬حوّلت تجربة المرض إلى عمل آخر بديع، ‮ ‬وهو‮ “‬يوميات امرأة مشعة‮”‬، ‮ ‬لتسجّل فيه المعاناة اليومية التي كانت تواجهها في فترة المرض، ‮ ‬ثم تستسلم بعد ذلك للغياب الأبدي، ‮ ‬وتظل‮ ‬حتي بعد رحيلها منفية بامتياز، دون أن تنتبه مؤسسة خاصة أو رسمية لنشر مجمل أعمالها القصصية والروائية والأدبية عموما‮.‬
هذه النهاية المأساوية تكررت مع الكاتبة ابتهال سالم، ‮ ‬وهي التي ظلّت تبدع وتترجم وتنشر بسخاء واضح، وكانت تناقش أعمالها في معظم المنتديات والتجمعات الثقافية، ولكن ذلك الحضور الجسدي لها، ‮ ‬وكثافة ما تنشره، ‮ ‬لم تحظ بذلك الاهتمام المرجو، وكانت تقاوم بالكتابة والنشر والذهاب إلى كافة أماكن تجمع المثقفين، فهي كانت تحتفي بالجميع، ‮ ‬ولكن عند رحيلها لم‮ ‬يكن أحد بجوارها، فابتهال التي كانت مع الجميع في كل أفراحهم وأتراحهم ترحل وحيدة تماماً دون أي رفقة بجوارها، ‮ ‬ويتم اكتشاف ذلك الرحيل بعد حدوثه بثلاثة أيام كاملة‮.‬
هذه النهايات المأساوية لم تكن سمة جديدة على واقع الكاتبات في مصر والعالم العربي، وكنا قد نوّهنا عن رحيل باحثة البادية ومي زيادة وعائشة التيمورية، ‮ ‬وأعتقد أن نهايات شبه قدرية لعبت دورا في تعميق مأساوية أشكال الرحيل، ‮ ‬للدرجة التي تموت الشاعرة والناقدة والقاصة ملك عبد العزيز تحت شجرة، تسقط على رأسها فتنهي حياتها على الفور، ‮ ‬كذلك تموت الكاتبة والصحفية الكبيرة سعاد زهير تحت عجلات سيارة طائشة في شوارع الإسكندرية، ‮ ‬أما الكاتبة قوت القلوب الدمرداشية فتنتهي حياتها على أثر طعنات مجنونة من ابنها في ظروف‮ ‬غامضة تماماً، ‮ ‬ولم‮ ‬يهتم أحد بمتابعة ذلك الحادث، والكشف عن ملابساته، ‮ ‬كذلك الرحيل المأساوي الفاجع لزهرة الحركة الطلابية المصرية في السبعينيات، ‮ ‬ومفجرة كل تجليّات العمل الوطني برفقة القائد الطلابي أحمد عبدالله، وأنا أعني هنا الراحلة سهام صبري، ‮ ‬ابنة كلية الهندسة بجامعة القاهرة، والتي أشعلت وطنيتها حماس الحركة الطلابية في كافة جامعات مصر، ‮ ‬احتجاجا على السياسات التي كان‮ ‬ينتهجها النظام المصري آنذاك، منذ نهاية عقد الستينيات، وصولا إلى عقد السبعينيات كله، ولم تدخر سهام جهدا بمواهبها وكفاءاتها في إشعال جذوة العمل الوطني الديمقراطي في مصر، وبعد انخفاض مستوي الأداء في الحركة الجماهيرية، انزوت سهام صبري، ‮ ‬لتصاب باكتئاب مزمن، خاصة بعد ذهابها إلى الاتحاد السوفيتي، وتعود من هناك شديدة الإحباط، مما رأته من انحرافات لم تكن تدركها من خلال ماتقرأه، ‮ ‬ثم تتطور حالات الاكتئاب لديها، ‮ ‬وقد ذكرت ذلك الكاتبة الراحلة رضوى عاشور في روايتها‮ “‬فرح‮”‬، ‮ ‬إذ إنها كانت تذهب إلى حديقة الحيوان كل‮ ‬يوم جمعة، وهي تحمل مجموعة ضخمة من البلالين، ‮ ‬لتوزعها على الأطفال الزائرين للحديقة، ‮ ‬وكانت سهام في تلك الفترة، قد تعمقت في قراءة كتابات كثيرة للمتصوفة، ‮ ‬وقبل رحيلها المأساوي إثر حادث سيارة‮ ‬غشيم عام‮ ‬2003، ‮ ‬كتبت تقول‮: “‬ولأنني أبحث عن النور وجدني الله وأراني الخطوة التالية وفتح عيوني العطشى للنور من سن الثالثة عشرة‮ ‬حيث إنني في سن الثالثة عشرة كنت أبحث عن الحق وقررت لذلك وقتها أن أقرأ كل الكتب في العالم‮ ‬ وهاهي عشرون عاما من العذاب، وعشرون عاما من الصعود، ‮ ‬وعشرون عاما من الانتصار في آن واحد‮…‬ يارب أنقذني‮..‬ أنقذني‮ ‬يارب‮.. ‬يارب أنا لا أطلب سوى الشهادة، ‮ ‬فخذ روحي صباح‮ ‬غد قبل أن تتفتح عيناي على صباح آخر‮.. ‬فخلصني‮ ‬يا إلهي لأن آلاما قد‮ ‬غرست على آلام، وأبكي كثيرا جداً وأنت تعلم‮”.‬
هذه نماذج قليلة من حيوات نسائية كانت مفعمة بالعطاء، ولكنها كانت كذلك مكبلة بالحيرة والمطاردة حتى الانزواء، ‮ ‬فنحن لا نعلم الكثير عن أشكال رحيل كاتبات أخريات، وكانت لهن تجارب لافتة في الكتابة، ‮ ‬مثل الكاتبة ليلي الشربيني، وهي إحدى الكاتبات المهمات، والتي ديست تجربتها بكل أنواع التجاهل، رغم أن لها خمس مجموعات قصصية رائعة، وتقول الناقدة الكبيرة سيزا قاسم في مقدمتها لمجموعة ليلي الشربيني القصصية‮ “‬الكرز‮”: (‬ليلي الشربيني كاتبة من طراز فريد، ‮ ‬تخرج من الدروب المألوفة، فهي عالمة في مجال الرياضيات والحاسب الآلي وكاتبة مبدعة، لا أقول أن الكتابة هواية بالنسبة لها كما نفهم الهواية، ولكن الكتابة حياة، أو إحدى سبل الحياة، ‮ ‬فليلي تكتب كما تسير في الشارع، أو تطهو الطعام، أو تخابر صديقا في التليفون‮..)‬، وتستطرد الدكتورة سيزا في دراستها الممتازة، ‮ ‬لتحيطنا بعالم ليلي الشربيني المدهش، ‮ ‬كما تنوّه قاسم عن تجربة مهمة لليلى‮: ‬أعاشت ليلى الشربيني تجربة جوهرية هزّت العالم، ‮ ‬فقد اشتركت بكل جوارحها في ثورة الطلبة في فرنسا عام‮ ‬1968، ولكنها على خلاف كثير من رفاقها لم تلتزم أيديولوجيا، بل رفعت راية الحرية فوق أي راية‮”.‬
ويكتب د‮. ‬رمضان بسطاويسي تقديما آخر لمجموعتها‮ “‬الآخر” ويشيد بكتابتها أيما إشادة، ‮ ‬إذن أين التأريخ الطبيعي لكتابات ليلي الشربيني؟‮ ‬بل لم‮ ‬يدرجها أي من الباحثين في أي من دراساته، ‮ ‬لذلك فهي تكاد تكون مجهولة، ‮ ‬كذلك هناك كاتبة أخرى تعرضت لأقصى أنواع الاستبعاد والتهميش، وهي الكاتبة أليفة رفعت، ‮ ‬والتي بدأت حياتها القصصية عام‮ ‬1955، ونشرت لها مجلة الرسالة الجديدة، ‮ ‬ثم تم تخييرها بين أن تبدع، ‮ ‬أو أن تستقر في حياتها العائلية، ‮ ‬فاختارت أو أجبرت على اختيار الحياة العائلية، ‮ ‬ثم عادت مرة أخرى عام‮ ‬1981، ‮ ‬عندما نشرت مجموعة قصص تحت عنوان‮ “‬من‮ ‬يكون الرجل‮”‬، ‮ ‬وقد أثارت تلك المجموعة جدلا واسعا بين الكتّاب آنذاك، ثم نشرت مجموعات قصصية أخرى هي‮ “‬صلاة حب‮” ‬و”موسم الياسمين‮” ‬و”كاد لي الهوى” و”ليل الشتاء الطويل‮” ‬، ‮ ‬ثم نشرت لها دار الهلال روايتها الوحيدة‮ “‬جوهرة فرعون‮” ‬عام‮ ‬1991، ‮ ‬وترحل دون أن‮ ‬يحتفي بها أحد، وتذهب مثل كثيرات إلى عالم النسيان المغلق، ‮ ‬رغم ما تحمله قصصها من قيمة فنية عالية‮.‬
آثرت أن ألقي بالإضاءات السريعة حول سهام صبري وليلي الشربيني وأليفة رفعت على وجه الخصوص، لأنهن شبه مجهولات تماماً، ‮ ‬وبالطبع فقوت القلوب الدمرداشية‮ ‬يعرفها الكثيرون، ‮ ‬فهي سليلة العائلة الدمرداشية، ‮ ‬وكانت أسرتها ذات ثراء كبير، ‮ ‬وكانت قوت تكتب رواياتها باللغة الفرنسية، ‮ ‬مثل‮ “‬حريم” و”رمزة‮” ‬و”ليلة القدر‮” ‬، وحظيت بأن كتب عنها طه حسين، منتصرا لكتابتها، وكان هذا خروجا خاصا للدكتور طه حسين، ‮ ‬فكما نوهنا من قبل أن العميد قد اقتصر بالكتابة عن نماذج نادرة من المبدعات، ‮ ‬وفي الأربعينيات أنشئت مسابقة باسمها، ‮ ‬فاز بها نجيب محفوظ وعادل كامل وآخرون، وفي العقدين الأخيرين أعيد اكتشاف بعض من كتابتها، ‮ ‬فتمت ترجمتها، ‮ ‬ولكن مازال الكثير لم‮ ‬يترجم لها‮.‬
أما سعاد زهير، ‮ ‬فهي كانت زوجة الراحل فتحي الرملي، ذلك الرجل الذي كان مناضلا سياسيا عتيدا، ‮ ‬وله نضالات سياسية كثيرة تحت راية الاشتراكية، ‮ ‬وكتب في ذلك الشأن كتابات فكرية وسياسية وأدبية كثيرة، ‮ ‬وتلتحق زهير بالعمل في الصحافة، ‮ ‬وتكتب كتابات نسائية رائدة في مجلة روز اليوسف، ‮ ‬حتي أن تكتب رواية في‮ ‬غاية الأهمية، وتنشرها مسلسلة في المجلة، وهي رواية‮ “‬يوميات امرأة مسترجلة‮”‬، ‮ ‬وتكشف عن تناقضات وزيف الواقع الذي نعيشه، ‮ ‬بين الشعارات المرفوعة، والواقع الفعلي، ‮ ‬ذلك الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى في نوفمبر‮ ‬1961، ثم تصدر طبعته الثانية في التسعينيات، وتقدمه الدكتورة لطيفة الزيات بمقدمة قصيرة تقول فيها‮: (‬إن بطلة الرواية أحد معالم هزائمنا الفردية‮ “‬نحن النساء‮”..‬فمن معاناة بلا حدود نتيجة التربية التي تفرق بين الرجل والمرأة، إلي مفاهيم متخلفة تضع حدودا ما بين الحب والجنس، وتطرحهما كنقيضين لا‮ ‬يلتقيان، مما‮ ‬يصيب المرأة بالبرود العاطفي، إلي ازدواجية المعايير الأخلاقية والسلوكية التي تبدو واضحة ملموسة في الرواية، تومئ بشكل فاجع إلى تعاسة حياتنا‮).‬
وإذا كانت هذه نماذج من كتابات لنساء تم طمسهن عمدا، ‮ ‬فهناك كاتبات اندفعن‮ ‬من شدة الاغتراب عن العالم إلى الانتحار، ‮ ‬وكانت أولى تلك الكاتبات، ‮ ‬الكاتبة الشابة عنايات الزيات، ‮ ‬والتي اكتشفها أنيس منصور كما نسب لنفسه ذلك في أكثر من موقع، ونشرت بعضا من القصص القصيرة، ‮ ‬ثم كتبت روايتها‮ “‬الحب والصمت‮”‬، ‮ ‬لتنشرها دار الكاتب العربي للطباعة والنشر عام‮ ‬1967، ‮ ‬ولكن بعد أن تنهي الكاتبة حياتها منتحرة عام‮ ‬1966، ‮ ‬ويكتب مقدمة الرواية الدكتور مصطفي محمود، ‮ ‬ويقول‮:”‬وهي تصف بعمق حالات عذاب النفس وتمزق الوجدان‮ “‬، ‮ ‬ويقتبس بعضا من العبارات التي وردت على لسان بطلة القصة، وهي العبارات التي توشي بحياة عنايات نفسها، ‮ ‬إذ تقول‮:”‬أما وحيدة في العالم كله، والناس‮ ‬يبدون مثل نقاط على الأفق الوهمي البعيد‮”‬، ‮ ‬وجدير بالذكر أن محمود أمين العالم ولطيفة الزيات قد كتبا عنها سابقا، ‮ ‬ثم في الآونة الأخيرة كتبت عنها سلوي بكر وشيرين أبو النجا، وأخبرتني الشاعرة إيمان مرسال بأن عندها مفاجآت أخرى بالنسبة لعنايات الزيات تخصها وتخص كتابتها، وسوف تعلن عن ذلك قريبا‮.‬
يأتي نموذجان آخران في سياق المنتحرات، ‮ ‬الأولى هي الرائدة النسوية درية شفيق، ‮ ‬وسوف نفرد لها مقالا خاصا بها، لاتساع مادتها، ‮ ‬ولكنها لم تحتمل الحياة التي فرضت عليها ثمانية عشرة عاما، ‮ ‬منذ عام‮ ‬1957، ‮ ‬حتي أن أنهت حياتها بالإلقاء بنفسها من شرفة منزلها بالدور السادس عام‮ ‬1975‭.‬
كذلك تفعل المناضلة اليسارية أروي صالح، والتي اشتهرت بكتابها‮ “‬المبتسرون‮”‬، ‮ ‬وكان هذا الكتاب خير دليل على نبوغها الفكري الواضح، كما‮ ‬يدلّ‮ ‬علي رومانسيتها المفرطة، تلك الرومانسية التي لم تحتمل تناقضات الواقع، ‮ ‬فدفعت أروي بنفسها منهية حياتها تماماً، ‮ ‬بعد أن أعطتنا كثيرا من جهود في الترجمة والكتابة الفكرية والسياسية، وجدير بالذكر أن أروي كانت تنتمي لقيادة حزب العمال الشيوعي المصري، ولها كتابات كثيرة كانت توقعها باسم‮ “‬صفاء إسماعيل‮”، وذلك‮ ‬سوف نكتب عنه بالتفصيل في مجال آخر‮.‬
* أخبار الأدب.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *