قصص قصيرة جدا


*عثمان بالنائلة


خاص ( ثقافات )
الكرامة
اِشتدّ الزمهرير في صبيحة ذلك اليوم. توافدت حشود المتظاهرين على الشارع. باع الصبيّ الأعلام. و اِحتفظ ببعضها ليحرقه خفية اِبتغاء التدفئة.
القدير
سئم آداء دور الجثّة في الأعمال السينمائيّة. و اِحتجّ. و ثار. و ترجّى. فأسندت له شخصيّة محتضر في إحدى المسلسلات التاريخيّة.
في كومة قشّ
يسكن مذ ولد بحيّ باب السدّ. و الحيّ منذ البداية مفقود في السجلّات الحكوميّة و مدسوس في البلد. وجدوه في خرائط غوغل. فأعدّ فريق تصوير غربيّ شريطا وثائقيّا عنه لم يرد أن يشاهده من أهل الإدارة و الاِستدارة أحد.
المطاف
صرخ في وجهها قائلا: “تعودين إلى المنزل بعد منتصف الليل يا عاهرة!”. اِبتسمت عيناها بمرارة. أخرجت من بين طيّات ثيابها القارورة المنتظرة. قال: “أين العشاء؟”. قالت: “متعبة”. صفعها. حاول أن يلقي بها إلى خارج البيت. ولج ألم حادّ جسده. رأى دمه يترقرق. و اِنكسرت الزجاجة. جحظت عيناه تتأمّلانها. و قال صوتها المختنق: “و اللّه متعبة”.
درجات
يسكن “العمّ يحيى” في بيت قصديريّ قرب السكّة الحديديّة. يمرّ القطار. فيهتزّ المنزل و ما فيه. لذلك علّق صور من آل إليهم الحكم لعلّها تسقط.
المشنوق و الحلوى*
أراد السائح تصوير ساقه الخشبيّة و الأدران الّتي تواري جسده و رداءه. أبى. عرض عليه ورقة نقديّة. تردّد كثيرا. ثمّ قبل. سمعه يقول له مررا: “صمايل.. صمايل..”. آلمه الجهل. و سكنت ملامحه الريبة. رآه يحرّك فمه و يده طالبا منه أن يضحك. اِنفرجت شفتاه. و تدحرجت دمعة. خلبت الصورة لبّ المصوّر. و اِبتسامة الذلّ ما زالت تدمع.
* يقول المثل التونسيّ: “لا ينقص المشنوق إلّا أكل الحلوى”.
الشبكة

قرأت ما كتب رقميّا: “تنتدب فنادق فور سيزونز موظّفة اِستقبال”. فركت عينيها مرارا. و أرسلت إلى المعلن صورة و طلب التوظيف و السي في عبر الجي مايل. طلبوا بعد شهر مقابلتها في بيروت. و تحمّلوا جميع تكاليف السفر. حطّت الرحال أخيرا. و فتح لها السائق الأنيق باب المرسيدس في صمت. ولجت. فأفقدها صوت قائلا: “كراسيفيا” وعيها. ثمّ أمست حياتها غيبوبة من نسج المغتصبين و سمّ الإبر.
مصنّف
اِنقضى يومه الحارّ كما مضى أمسه البارد. كانت كلّ الوجوه على قدم و ساق في محطّة ليون بباريس. أجرى اِتّصالا هاتفيّا آخرا بأسرته في غوادالاخارا. ثمّ تأمّل مقاعد يجلس عليها الفراغ بهدوء حذر. لم يشأ اِزعاجه. فبقي واقفا. و بينما كان على الرصيف مشدوها يشاهد لحظات الاِنطلاق دفعته بقوّة نحو القطار قبضتان يلفّهما صراخ إمرأة: “عربي نجس”.
على الركح
المشهد الأوّل: أحدب يلحق بسكّير. و يصفعه. فيسقطه أرضا. يركله قائلا: “هنا صلبت الرحمة فلا تدعوها”. المشهد الثاني: تعانق المرأة التاج الذهبيّ بيد فيما تنكش بيدها الأخرى شعرها. تستدير فجأة. فتنتبه إلى وجود عشيقها جالسا على مدفع. فتندفع نحوه. تقبّله. و تقول: “الآن فقط يمكنك الذهاب إلى الجحيم.”. المشهد الثالث و الأخير: قرويّ يهرول جيئة و ذهابا. يُفتح باب الكوخ. و تطلّ منه اِمرأة عجوز دميمة الخلقة. و تقول: “أنجبت زوجتك غرابا.”. يفرح الرجل و يقول: “من شابه أباه فقد ظلم.”.
_________
*قاص تونسي 

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *