في المناهج المدرسية مرة أخرى.. لماذا التحريف؟!


*الدكتور ذوقان عبيدات


ثمة تكاثر للمؤتمرات، التي توظف الدين في غير مكانه، وقضية مناهج التعليم خير مثال على ذلك، حيث ثمة انحراف احيانا باتجاه ربط هذه القضية بالدين، بل والغاء القضية، ووضع الدين في مكانها.
هناك لقاءات تلفزيونية بإحدى القنوات الفضائية، بمشاركة واسعة من وعاظ، ورجال دين، وبرلمانيين حاليين وسابقين، وأكاديميين، وخطباء مساجد، وغيرهم، للتصدي لما يعتبرونه استهدافا للدين باسم المناهج. وايضا هناك تصريحات ومؤتمرات صحفية لهذه الجهة أو تلك تحرف القضية التعليمية، وتستبدل المناهج والتعليم بالدين الإسلامي والهجمة عليه، باعتبار ان التعليم والمناهج غطاء للهجمة “العلمانية” على الدين.
انطلاقاً من هذه الاحداث اضع أمام القارئ الملاحظات الآتية:
يكون حديث الكفر والتكفير دائماً، بغياب المهتمين الرئيسيين، حيث تتاح الفرصة للمتحدث ان يقول ما يريد، وأن يتحدث باسم “المهتمين”، ويذكر مجافياً للحقيقة، انهم قالوا.. وطالبوا.. واعترضوا، ويكمل جملا وافكارا ليست في قاموس “المهتمين”، والأكثر من ذلك يصدرون احكاماً: “التصهين والعمالة للأجنبي، والتساوق مع الهجمة على الإسلام”، “الداعشية، والتطرف”، “الأموال التي انهالت علينا” و”الكفر والعلمانية”.
في هذا الصدد أرجو أن اوضح ما يأتي:
ان تهمة الهجمة على الاسلام هي منفذ لهؤلاء لراحة الضمير، فبدلا من أن يحاولوا اصلاح التعليم، ومناهجه، واصلاح الخطاب الذي يقدمونه، تراهم يحتمون بأن ديننا يتعرض لهجمة، وانهم هبوا للدفاع عنه.
لقد طلب ملك المغرب في رسالته الشهيرة، في شهر شباط (فبراير) هذا العام، باصلاح التعليم، وخاصة التعليم الديني. لقد واجه المغرب “داعشية” التعليم. والمواجهة، وليس الدفاع التبريري هي ما نحتاجه جميعاً.
ان المؤامرة على الدين ليست في ما يدور خارجياً، بقدر ما يقدمه ادعياء من سلوكات وقتل طال التاريخ والجغرافيا والقيم الانسانية.
هناك العديد من مدمني الإقصاء، وممن يبنون خطابهم على مقدمات من صناعتهم، لا مما كتبنا، أو قلنا. الشتم والتلويح والتهديد والوعيد هي أسس خطابهم، نعم! لم يقرأوا، وأنا أصر على ذلك، فلو قرأوا لدعموا ما قلناه، ومن قرأ منهم قراءة سريعة، كتب دون عمق أو فهم.
فحين قال حسني عايش ان “الدين ثابت والعلم متغير”، حرفوا الكلام ليقولوا “الاسلام جامد”!
وحين قلنا ان “النصوص الدينية مقدسة، ولا مساس بها، ولكن استخدامها البشري وتوظيفها في غير سياقها، امر قابل للنقد!”، هاجموا وهاجوا!
سالنا ما الداعي لذكر قصة سيدنا عمر رضي الله عنه، حين قال: “من رأى منكم اعوجاجاً فليقومه!! قالوا له: لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا!!” لاحظ! ما معنى سيوفنا؟ ومن يقوم الحاكم: الاعلام، البرلمان الرأي العام أم السيوف؟؟
هل هذا نقد لموقف إسلامي؟؟ ام لإيراد هذه الرواية التاريخية بمنهج مدرسي؟
وحين نقول: لا يجوز ان تقول لطلاب مراهقين: “استخدموا ايديكم في اصلاح ما ترونه منكراً!! بل اتركوا هذا للجامعة، ليتم الشرح لهم حينها: متى وأين ولماذا وكيف جاءت هذه الرواية التاريخية!! هل هذا إنكار لمقدس؟؟
وهكذا؛ انا لم اقرأ نصاً كتبه غيري أو كتبته انا، يتعرض للدين! بل بالعكس، طالبنا بتقديم الدين بأسلوب جاذب ومحفز ومبشر!
وحين قلنا أن كتاباً واحداً في اللغة العربية، احتوى 35 اسماً تراثيا، واسما واحدا معاصرا، حرفّوا الكلام، وقالوا إنه تطاول على علماء الأمة! وهذا كفر واستهانة بالدين!!
إن مهمة التربية حفظ التراث، ونقل التراث، بل وتطوير التراث، ولكن أي تراث؟ في تراثنا حروب أهلية ونزاعات قبلية ومآس عديدة، يكفي مثالاً عليها، النزاعات الشيعية السنية. 
وفي تراثنا ابن عربي وابو العلاء المعري والمعتزلة، وابن سينا وابن رشد، وهذا التراث كان سبباً في نهضتنا، ونهضة أوروبا، لنأخذه، نحن نريد مناهج مواطنة، نريد تحصين شبابنا، نريد القضاء على الهويات الفرعية المتطرفة. نريد هوية دينية جامعة، ونريد هوية وطنية جامعة، ونريد هوية عربية جامعة. فأي عيب في هذا! وأي تكفير فيه؟ 
أي عيب أن يقول ابن عربي: “(لقد كنت قبل اليوم انكر صاحبي.. إذا لم يكن دينه على ديننا داني). (وقد صار قلبي قابلا كل صورة.. فمرعيّ لغزلان ودير لرهبان). (وبيت لاوثان وكعبة طائف.. وألواح توراة ومسكن إيماني). (ادين بدين الحب أنى توجهت.. ركائبه فالحب ديني وإيماني)”. 
هذا شعر فيه مواطنة وتآلف وتعايش، دون غلبة واستعلاء، وليس كشعر لغير شاعر، ثم حشره في كتاب لغة عربية، لابناء صف ابتدائي يقول: (زكيّ كي تسلم أو تحشر في نار جهنم)!. وانتقدنا هذا الشعر، بسبب عدم ملاءمته لأطفال غير مكلفين بالزكاة، ولم ننتقد معناه.
القاسم المشترك بين العديد ممن يتصدون لتكفير ورفض اراء الآخرين في المناهج والكتب المدرسية، هو انهم ما قرأوا… ولا يقرأون، وربما لا يقرأون شيئا.
والوسطية، والإسلام الوسطي، لا تعطي الحق لمؤتمر صحفي أن يكفّر، ويوجه تهماً يمينا وشمالا قد يدافعون فيها عن أنفسهم. إن مجتمعنا ووطننا يتحملان كل الافكار وكل الاتجاهات، فلماذا التكفير؟ 
ولكي لا تضيع قضية مناهج التعليم، ولكي لا ننجر الى الرد على المتكافرين، لا بد من العودة الى مناهجنا فهي أصل النقاش. المناهج التعليمية المطلوبة هي: مناهج تفكير، لا مناهج تكفير.
المناهج منتجات بشرية ليست كالأديان، وإن الدستور الأردني حين يعلن أن دين الدولة الاسلام، فإن الاسلام هو دين الاعتدال، وهذا لا يعني أن المناهج الدراسية تكتسب نفس قدسية الدين، فالمنتوج البشري لمؤلفين، يمكن أن يخطئوا أو ينتقدوا، وبذا هي ليست جزءا من الدين لا يجوز المساس بها.
وأسوق هنا بعض الأسئلة البديهية:
– هل يمكن أن تضم المناهج أفكارا قد تؤدي أو تتعارض مع الغايات السامية للدين الإسلامي أو سائر الأديان؟
– هل يمكن أن تضم المناهج أفكارا تدعو إلى تقويم الحاكم بالسيف؟
– هل يمكن أن تضم المناهج ما يخرق منظومة حقوق الانسان، من مواطنة وكرامة وعدالة ومساواة؟
– هل يمكن أن تضم المناهج ما يؤدي إلى اشاعة الكراهية والعنف، واذكاء الصراع، وتهديد السلم الاجتماعي؟
– وأخيراً، هل يمكن أن تدعو المناهج إلى إجراءات تتعارض مع قوانين الدولة الرسمية ودستورها؟
هذا هو كل ما نطالب به، وكل ما قلناه!. 
– طالبنا بالتفكير الناقد، وطالبنا بالابداع وطالبنا بإدخال طلابنا الى العالم والمستقبل، لكن يبدو ان البعض يريد شدهم إلى الماضي. ثمة الكثير عبر التاريخ البعيد والقريب، حرم شرب القهوة والراديو والتلفون وآلة التصوير والسيارات والتكنولوجيا، ثم عاد هذا البعض واستخدمها في نشر أفكارهم!
مرة أخرى، حاربنا ما يشجع أو ما يمكن أن يستغل داعشياً في مناهجنا، ما الذي يزعج في ذلك؟ 
___
*الغد

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *