كان أبي موسيقياً



إسماعيل الموساوي*


خاص ( ثقافات )


كان أبي موسيقياً، كان يعشق المقام والنغم والإيقاع، كان يفرح بالعزف، ويحزن بالمقام، كان يعبر عن فرحه موسيقياً لكونه يعبر عن الحياة، كانت الأشياء تَمثلُ أمامه في الحياة موسيقياً، كانت الحياة لا تنفلت من موسيقاه، كانت الحياة هي النغم، والنغم هو الحياة، لا فرق بين هذين الاثنين، كان قليل الكلام، وكثير العزف. 
كانت لغته العادية ألفاظها نادرة وقاموسها فقير، كانت تخونه في أغلب الأحيان، لهذا كان جاحداً لها، غير مطيع ولا طائعاً لها، كان لا يحبها ولا يغازلها، كانت تطلب وصله طوعاً فما وصلها، كانت تمني النفس في أن يضاجعها فما ضاجعها، حتى إذا حل غسق الليل تجدها تقترب منه وبحيلته يبتعد، فكيف يضاجع الموسيقى من لا يحب، كما أنه كيف يمكن له أن يخون من يحب…
أما لغته الموسيقية فكانت وَلادة، قاموسها عالم يفتحك على عوالم لا حدود لها، ولا فاصل بينها، إنها أجزاء لا متناهية ضمن الكل. كان يحبها حباً جماً، ويعشقها عشقاً مجنوناً، كان غزله لها لا ينتهي، وشوقه لا ينقضي، وحنينه ما يفتأ يتجدد، كان ينتظر حلول غسق الليل على أحر من الجمر، طالباً لوصلها، فتصله طائعةً ومطيعة، كيف لا؟ 
وقد وجدت من يحبها ويتقن العشق والاعتراف بجمالها اللامتناهي في الاستمتاع باللحن والعزف والإيقاع، لقد وجدت فارس أحلامها، هذا سبب عشقه لليل، لقد كانت روحه تبتهج حباً لليل وسكونه، كان يبدوا وحيداً في غرفته، وما كان كذلك، كنا نحزن عن وحدته القاتلة، وما كان كذلك، لقد جعل من الأنغام والعزف أنساً، ومن ليل حنيناً، وعند حلول الصباح إنتاجات موسيقية لا تعد ولا تحصى معانيها، هي ثمرة حبه للموسيقى “عبارة عن ألحان، ومقطوعات موسيقية..” تبهر السامعين، كان أبي يعبر عن كل شيء موسيقياً، حتى وإن اقترف ذنباً نجده يطلب الاستغفار موسيقياً، وأكاد أبالغ وأقول كان أبي “يعبد الله موسيقياً”….
باحث في الفلسفة من المغرب

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *