باب خلف باب


*مودي بيطار


تركّز هلن أوييمي على المفاتيح والأقفال رمزاً للهدايا وأداة للمعرفة في مجموعتها القصصية الأولى التي تدور في عوالم حلمية، خرافية وواقعية قاسية فتبهر نقاداً ويتهمها آخرون باللغة المشغولة. كانت الكاتبة النيجيرية البريطانية في الثامنة عشرة حين نشرت باكورتها «فتاة إيكارَس» عن حيرة طفلة مزدوجة الهوية، وأدهشت الوسط الأدبي. أصيبت في مراهقتها باكتئاب، وظنّت الموت أفضل من الحياة. لم تتوقع العيش حتى التاسعة والعشرين ورؤية الحياة مثيرة للاهتمام. «ما ليس لك ليس لك» الصادرة عن «بيكادور» تمزج التقليدي بالحديث، والواقعي بالخيالي العلمي. في كل قصة مفتاح واحد على الأقل يفتح أبواب غرف تزداد غرابتها باضطراد، وتوسّع آفاق القصص المستوحاة من الفولكلور والحكايات الخرافية.
في «كتب وورود» توضع طفلة أمام كنيسة في كاتالونيا، فيعتني الكهنة بها. عُلّقت في رقبتها سلسلة ومفتاح اكتشفت لاحقاً حين عملت في مغسل أنه يفتح باب حديقة تغطي الورود والكتب جدرانها. تكثر الشخصيات والعلاقات في القصة، ويحمل لقاء بالصدفة الحب للفتاة. من شخصيات «كلمة آسف لا تجعل الشاي الذي تشربه حلواً» مغنٍ دعا بيته في الريف الإنكليزي «منزل الأقفال». تشِد، الذي قد يكون إيرانياً، دعا سمكته السيامية المفترسة بوديكا تيمناً بالبطلة البريطانية التي قاتلت الرومان. يطلب من الراوية الاعتناء بها خلال تأديته الخدمة العسكرية عامين في بلاده. تجد المهمة يسيرة إزاء رعاية ابنة صديقها الصغرى التي صدمت حين اتهمت بائعة هوى نجم الروك المفضل لديها بتعنيفها.
«نادي الفتيات العاديات» عن نادٍ خيالي في جامعة كمبريدج، حيث درست الكاتبة، أسّسته الطالبات في 1949 رداً على نادي الطلاب. تتلهّف ديانغ شريف، التي تدرس الأدب الإنكليزي، للانضمام اليه، وتوفّق بين دراستها وصداقاتها ومشاعرها الممنوعة تجاه هيراكليس، زميلها في الصف وعضو النادي الذي يعادي نادي الطالبات. تقول: «ساد افتراض أن للذكور الحق في أن يكونوا هناك (…) بالنسبة الى الفتيات طُرح السؤال: «لماذا هي؟» مراراً. «إذا كان الكتاب مقفلاً هناك سبب جيّد لذلك ألا تعتقد؟» عن موظفة جديدة تثير الفضول، وتبدو باردة وغامضة. حين يتردّد أن إيفا نامت مع رجل متزوج يعاقبها الزملاء بسرقة يومياتها المقفلة بقفل نحاسي. تعيده الراوية اليها وتطمئنها الى أنها لم تقرأه، فتجيب إيفا: «تعتقدين إذاً أنني أقفلته لهذا السبب؟»
«هل دمك أحمر كهذا؟» تبدأ برسالة حب من فتاة الى أخرى. تبحث رادا تشودري عن الصداقة، وتتكل على شبح يرشدها في مراهقتها الصعبة. تلتصق بشقيقها آرجن الأكبر سناً المحبوب بين أترابه. تحب فتاة في المدرسة، وتنضم الى نادي الدمى الخطر، الشرس المنافسة لتبقى قربها. تكتب الى ميرنا سيميونوفا التي لا تبادلها العاطفة: «أعتقد أن الروح ثقيلة وملساء، ميرنا. أستنتج ذلك من حركات الدمى التي تفتقر الى الروح، حركاتها المبتهجة المتشنجة». تلتبس هويات الدمى، وفيما يرى طالب روان ذكراً تجده ميرنا أنثى، ورادا وغوستاف كلا الجنسين. روان يكتفي برفع كتفيه، ولا يبالي بتصنيفهم، فهو بأكثريته شجرة. في «حضور» يخضع عالما نفس متزوجين لاختبار يجعلهما يريان ابناً غير موجود. تدخل الزوجة المطبخ وترى فتى في الثانية عشرة، الثانية عشرة والنصف ربما، يجلس الى المائدة ويأكل الخبز المحمّص. يشبه شعره شعر العالِم المجنون، وتبدو تسريحته من ابتكاره. تعود الى القرن الخامس عشر لتجد كلمة تصف جماله: «لا يُصنع».
ترفض الكاتبة تلخيص أدبها بالهجرة والانتماء. كانت «فتاة إيكارَس» عن البديل. «أبيض يعني السحر» عن البيت المسكون ومصاصي الدماء. «فتى، ثلج، طير» عن زوجة الأب الشريرة. أعادت فيها كتابة «سنو وايت» المرتبطة ببياض البشرة أساساً. لا يهمها ضعف شخصيات الرجال في أعمالها، لكن نسويتها ليست ضدهم أو محواً لهم. ترغب في معرفة كل الحيوات المختلفة التي تعيشها النساء. الخيبة والدعم بينهن، التحديق النسائي والتعامل مع الجمال بصرف النظر عن الرجال.
________
*الحياة

شاهد أيضاً

العتبات والفكر الهندسي في رواية “المهندس” للأردني سامر المجالي

(ثقافات) العتبات والفكر الهندسي في رواية «المهندس» للأردني سامر المجالي موسى أبو رياش   المتعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *