“شرفة الفردوس” والمفارقة.. لإبراهيم نصر الله


ليث سعيد الرواجفة


خاص ( ثقافات )

في عام 2014م/ 1435هــ، صدرَ في بيروت عن الدار العربية للعلوم ناشرون رواية (شرفة الفردوس) للشاعر والروائي إبراهيم نصر الله، والتي تعد الخامسة ضمن مشروع الشرفات: «شرفة الهذيان» و«شرفة رجل الثلج» و«شرفة العار» و«شرفة الهاوية»، تقع ضمن فصلين رئيسين تحت عنواني (المراودة) و(اللعنة)، وتحت كل منهما مشاهد صغيرة متشظية، أسهمت في إمتاع القارئ وتسهيل تلقّيه للنص، لتقع كلها ضمن 171 صفحة من القطع المتوسط. 

وأول عتبة يجب الوقوف عليها هي (العنوان) الذي احتوى مفارقة مكانية بامتياز، وذلك أن عمارة (الفردوس) التي اختارتها الفتاة (حياة) لتكون فردوسها ومكان راحتها -لم تكن كذلك- بل كانت مقبرة وجحيم دُمرَ فيها كيانها، وسُرقت ملامحها، حتى تحولت إلى شخص آخر. والذي سرق ملامحها منها صديقتها (دنيا)، وكل ذلك حدث بعد أن حاول (قاسم) صاحب العمارة بشكل غير مباشر أن يجعل (حياة) أحد ممتلكاته وهو صاحب الحق فيها، حتى هي لا تملك هذا الحق! 

ومن ملامح مفارقة المكان أيضاً، الشرفة في الطابق العلوي، لم تكن كأي شرفة، بل كانت رمزاً لمن يمكنه الاطلاع على كل شيء، الصغيرة قبل الكبيرة، ومكانة صاحب هذه الشرفة (قاسم).

هنا ظهر التمرد، والتحدي، ورفض الخنوع لصاحب السلطة الأول (قاسم). الذي كان رمزاً للقدر، الذي يُكتب فيه خط سير حياة الإنسان ويفرض سيطرته عليهم في كل زمان ومكان، وكان أيضاً رمزاً (للطاغية) الذي يسرق الملامح ويبدلها مثلما شاء، ويتحكم في حياة كل من يضمهم تحت عباءته المكانية والزمانية، فهو غير عاجز عنهم. 

ويمكن لمراقب المفارقة أن يلمس في أسماء الشخصيات الأساسية دلالات عميقة: 
1- دنيا: تمثل الوجود المادي للأشياء، وقيمتها بوجودها فقط، فكانت دمية يتحكم فيها (قاسم). 

2- حياة: تمثل الوجود المادي والمعنوي، والمعنوي أكثر من المادي، فالزهرة بدون حياة لا قيمة لها، وفي ذات الوقت كانت الشوكة في حلق (قاسم).

3- قاسم: يمثل السلطة سواء كان (القدر) أم (الطاغية)، فهو الذي يقسّم فصول حياة الناس على ما يتناسب معه ويرضيه. 

4- أنس: رمز الأُنس لــ(حياة)، الذي حُرمت منه بفعل السلطة والقوة. ولم تجد أنيساً لها سوى الكوابيس في شقتها داخل عمارة الجحيم. 

واحتوت الرواية على مفارقة الشخصية بين (دنيا/ حياة)، فالأولى أخذت وجه الثانية وملامحها الجميلة، وأعطتها كل ما هو قبيح، ولكنها عجزت –أي دنيا- عن أخذ اسمها وروحها –أي حياة- التي بقيت لها وساندتها في رحلة الصمود. 

قوة السلطة ظهرت بمشاهد مختلفة، أولها: التحكم في ملامح الناس وتصرفاتهم –سرقة وجه حياة منها- ومحاولة رجل قتل (حياة) دون وجود أي معرفة بينهما، وقتل (أنس) لأنه فكر الارتباط بــ(حياة)، فالرواية عميقة في دلالاتها، ومتشظية في قراءاتها. 

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *