في وداع «الملحق»


*عبده وازن


هذا السبت لم يصدر «الملحق». ولا السبت المقبل سيصدر ولا الذي بعده. توقف «الملحق» أو احتجب عن الصدور. إنها المرة الثالثة يتوقف ولكن لا ليعاود الظهور. توقف المرة الأولى غداة اندلاع الحرب الأهلية العام 1975، حينذاك شعر أنسي الحاج أنّ لم يبق من مبرر لصدوره بعدما أحرقت الحرب صورة لبنان الإنسان والثقافة التي سعى «الملحق» إلى بلورتها، وخاب مثلما خاب الكثيرون الذين راهنوا على لبنان بلد الاعتدال والانفتاح والتعدد. ثم عاد «الملحق» في احدى هدنات الحرب في شكل مختصر: اربع صفحات في قلب الجريدة يشرف على تحريرها الشاعر شوقي أبي شقرا. تلك الصفحات كانت شبه محايدة، على خلاف «الملحق» الذي خاض سابقاً معارك التحديث والتجديد والفضح والمواجهة… معارك الحداثة في غالب وجوهها، فكراً وأدباً وفناً. ثم توقفت الصفحات الأربع ليعاود «الملحق» الصدور مرة ثالثة العام 1993 وفي شكله السابق، ولكن في عهدة الروائي الياس خوري الذي لم يكن يوماً «نهارياً». ولعل قدوم خوري من مشارب اخرى، سياسية وثقافية ونضالية (مجلة «شؤون فلسطينية» و«السفير» )، منح «الملحق» الجديد هوية تختلف بعض الاختلاف عن هويته السابقة. لكنه لم يتخلّ بتاتاً عن لبنانيته ولو ان انه اسبغ عليها مواصفات اليسار الحر، غير المؤدلج. لكنّ الياس خوري ما لبث بعد بضع سنوات ان أقيل من «الملحق» ومن «النهار»، وبدا واضحاً ان الجريدة لم تتمكن من تحمل معاركه الصارخة ضد لبنان الطائفي ولبنان التركيبة الهشة ولبنان التجارة والبزنس وسوليدير … آنذاك انتقل «الملحق» إلى يد الشاعر عقل العويط الذي عرف بنباهة كيف يوفق بين مناخ أنسي الحاج وجو الياس خوري ليخرج في صيغة فريدة تشبهه وتشبه هواجسه. وخاض العويط عبر «الملحق» أشرس معارك الربيع العربي وفتح صفحاته أمام الكتاب العرب الثائرين والمتمردين، وشارك بجرأة في معارك الإصلاح والنقد السياسي والثقافي وفي مواجهة الفكر الأصولي والتكفيري.
كان يكفي أن تقول «الملحق» من دون أن تشفعه بصحيفة «النهار». هكذا سمّي منذ أن أصدره الشاعر أنسي الحاج العام 1964 في ما يشبه حركة «انفصال» عن الصحيفة اللبنانية العريقة. كان أول «ملحق» يصدر عن جريدة ويستقل بنفسه وسياسته وكتّابه. وكان أنسي حراً كل الحرية في «الملحق» وفي زاويته الشهيرة «كلمات كلمات كلمات»، وكم جرّ من ويلات على الجريدة وصاحبها غسان تويني نتيجة مواقفه الجريئة وآرائه الثورية. كان أنسي، عندما توقف «الملحق»، يظن أن زمن «الملحق» انتهى. وزاد اندلاع الحرب الأهلية الرهيبة من قناعته. لكنه عندما عاد، رحّب به على رغم شعوره بالغربة عن «الملحق» الجديد وزمنه المختلف.
ليس سهلاً أن يحتجب «الملحق». كان عقل العويط يناضل نضال الحالمين من أجل استمرار «الملحق» على رغم الفقر المدقع الذي يعانيه مادياً. لكنّ قسوة الواقع كانت أقوى من نداوة الحلم.
_______
*الحياة

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *