ممدوح عدوان.. حضور في الغياب



حازم مبيضين

خاص ( ثقافات )



بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيله.. هذه بعض الذكريات عن الراحل الكبير

عرفت ممدوح عدوان عن بعد أواخر ستينات القرن المنصرم، كان ذلك في كافتيريا الجامعه بالقرب من كلية الحقوق، كان يأتي بنظارته السميكة وشعره المتمرد ليشعل الكافتيريا بتعليقاته النافذة وبعضها كان يتعلق بدستور جديد مطروح على الشعب، كان جريئاً حد الخوف عليه منا نحن بينما كان يتحلى بشجاعة المؤمن بوطنه والمستعد لمجابهة كل ما هو ضده، كنت أتابع بشغف مقالاته في صحيفة الثورة وهي كانت تتوزع بين الثقافي والسياسي دون فصل بينهما، تلك مهمة كان يؤمن بها فليس المثقف عنده منعزل عن واقع وطنه ومهمته تنويرية قبل كل شيئ وفوق كل شيئ.

لم أزر دمشق بعدها إلا والتقيت بممدوح في بيته على الأغلب، وفي نادي الصحفيين القريب من الجسر الأبيض، وفي كفتيريا اتحاد الكتاب وبعض المطاعم الشعبية التي كان يعرف طريقها، ولم يزر عمان بعده إلا وكانت له جلسة في بيتي مع أصدقاء يتحلقون حول المنسف الكركي الذي كان يحبه، فقط في آخر زيارة له إلى عمان لم أحظى بتشريفه لمنزلي، كنا اتفقنا على موعد على العشاء وفي الطريق إلى الفندق اتصلت بي الراحله إلهام تطلب منى نوعاً من الشاش الطبي كان بحاجته، وعند وصولي اتصل به صديقه الدكتور خالد الكركي ليذكره بأنه بانتظاره على العشاء، كان ممدوح أعطى موعداً لنا نحن الاثنين، فاستأذن مني بالذهاب إلى منزل خالد وكان له ما أراد.

أيام مرضه وتلقيه العلاج في بيروت كنت أسأله عن أحواله فيجيب ضاحكاً وساخراً، آخذ جرعتين واحدة كيماوي والثانية كؤوساً من العرق، كان أيامها يدخن بشراهة مؤمناً أن ليس للسيجارة علاقة بمرضه، كان حريصاً حين أزوره أن يجمعني بأصدقاء من الساحل يتناقشون بصخب حول السياسات العامة في البلد، وصولاً إلى الوضع الملتبس لأبناء الطائفة العلوية، وكنت في العادة أعود بذخيرة من المعلومات تنير رؤيتي للوضع في سوريا، تواعدنا ذات مساء أن أزوره في بيته لكنه أتصل ليبلغني أنه ينتظرني على رصيف الاوتستراد، حين وصلته كان يجلس وبين يديه أربع زجاجات من البيرة، قال لي إلهام ليست في البيت ولا مفتاح معي، دعنا نبدأ سهرتنا حتى عودتها لنكمل في البيت، وفي إحدى المرات دعاني إلي بيت شقيقته التي أعدت له وليمة برغل بالبندوره أراد أن أشاركه فيها، كان معي ابني قصي فأحضر له ساندوش همبورغر وبيتزا لقناعته بأن أبناء الجيل الجديد يفضلون هذه الأطعمة، وكانت المفاجأة أن قصي فضل البرغل.

من طرائفه في أحد مهرجانات جرش أنه حين دخل إلى قاعة فندق القدس لاحظ أن الراحلين يوسف الصايغ وعبد الرزاق عبد الواحد يجلسان على كنبة واحدة “ثلاثيه”، فجلس بينهكا وهما يرحبان ثم سأل ألايوجد مصور يلتقط لنا صورة.. وحين تبرع أحدهم بالتقاط الصورة انفجر ضاحكاً وقال سأرسل الصورة إلى بغداد فلعلها تكون سبباً في إعدامكما فما كان منهما إلا معانقته وطلب المزيد من الصور.
هذه تداعيات ذكريات لاتغيب عن البال وإن كانت لاتحمل الكثير لكنها عندي تؤكد أن ممدوح “عصي على النسيان” وما يعجبني اليوم أن مروان النجل الثاني لممدوح يقيم علاقة صداقة مع إبني لؤي، وكأبيه حضر من دمشق إلى عمان لبضع ساعات ليشارك لؤي فرحته بزفافه وليؤكد لي أن علاقتي بممدوح مستمرة مستمرة حتى بعد غيابه وغيابي.


* كاتب وإعلامي من الأردن

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *