حوار مع الكاتبة جويس كارول اوتس (3)




*ترجمة وتقديم لطفية الدليمي



× ما الذي قادك الى ممارسة التعليم؟
• لطالما أردت أن أكون معلمة وكنت على الدوام أطري على معلمي في المدرسة الابتدائية وكان لي اعتقاد مترسخ في داخلي ان حياة التعليم ستكون مناسبة تماما لي وقد دعمني والدي في خياري هذا . حصلت على شهادة بكالوريوس الفنون من جامعة سيراكيوز ، وكان لي فيها معلمون رائعون ، ثم غادرت بعدها الى جامعة ويسكونسن وحصلت منها بعد سنة من التحاقي على درجة الماجستير لكنني لم احب أجواء ويسكونسن ولا البيئة التعليمية فيها فقد رأيتها غارقة في النزعة المدرسية والموسوعية وعلى شيء من اليباس !! انخرطت بعدها في تدريس اربع كورسات دراسية في جامعة ديترويت بعد ان حصلت على وظيفة تدريس جامعية وكانت مهمتي التدريسية الأولى مفزعة لي لان الكلية انتدبتني لتدريس اربع كورسات مختلفة رغم انني لم اكن امتلك اية خبرة تدريسية سابقة . سأروي لك شيئا من تجربتي في حصتي الأولى في التدريس الجامعي : حضرت الى الفصل الدراسي وكان فيه قرابة الأربعين طالبا و كان فصلا مسائيا على ما أتذكر وقد توجست وذعرت لانني لم امر بتجربة كهذه من قبل وبخاصة انني كنت بعمر 22 سنة وبعض طلابي كانوا اكبر مني سنا !! لكن حساً بالسعادة غمرني وقلت لنفسي “هاهو المكان الذي تنتمين له” ، وبدات بتدريس الفصل وأحببت ما كنت أقوم به طوال السنوات اللاحقة لتلك التجربة . أشعر بسعادة غامرة وأنا أدرّس وتجتاحني موجة من البهجة في قاعة التدريس .

× كيف يمكن أن توضحي لمن لم يختبر الكثير عن عملك ما الذي يجعلك متوهجة للغاية وانت تمارسين فعل الكتابة ؟
• ميدان الكتابة مليء بلحظات الشد وأظن أن هذا الشد صالح من الناحيتين النفسية والجسدية في بعض التفاصيل . تكلمت عن التدريس وقلت انه عمل هادئ يبعث على الاسترخاء والسلام الداخلي وهو مجزٍ وديناميكي في ذات الوقت لكنه يختلف عن فعل الكتابة : التعليم فعالية اجتماعية في حين ان تخليق رواية باستخدام الخيال البشري وحده عمل فردي بالكامل ، والبهجة المرتبطة بكلا الفعلين ، اعني التعليم وكتابة الرواية تختلف نوعيا وانا أفضّل البهجة المرتبطة بفعل الكتابة لو كان لي ان اختار بين الاثنين .

× هل ترين ان مهنتك التدريسية تخدمك بكونها موازنة لعملك الكتابي؟ أقصد موازنة بين عالميك الجواني والخارجي .
• ربما كانت كذلك . أنا أحب الكتابة رغم أني لا أراها تلك الفعالية السهلة . ليس لي أولاد ولو كان لي واحد منهم وأراد الانغماس في مجال الكتابة الإبداعية فكنت سأقلق عليه كثيرا فيما يخص كيفية تدبير أمور حياته . 
× كيف تتعاملين مع النقد؟
• لا أعرف . بدأت الكتابة منذ عام 1963 وقد نلت الكثير من النقد .
× هل كنت يوما ما خائفة حقا ؟ أقصد أن تكوني خائفة ان شيئا ما لا يمكن إصلاحه قد يحصل لك ؟
• ثمة شكلان للخوف : فيزيائي وسيكولوجي ، وقد عانيت بضع مرات من خوف فيزيائي ولكن لم يحصل لي مرة انني عانيت خوفا تطور الى نوبة ذعر غير أنني واثقة تمام الثقة ان هذا سيحصل معي يوما ما . كنت مرات على متن طائرة في جو مضطرب وكان يتوجب العودة أحيانا الى ذات المطار الذي اقلعنا منه و كان يمكن لي تحت هذه الأجواء الضاغطة ان أشعر بنوبة ذعر رهيبة ولكن ما كان يحصل هو انني كنت اشعر بنوع من استسلام غريب وهو ما يعد سلوكا غير مناسب ازاء حالات مهددة للحياة كهذه !! . ثمة أنماط أخرى من الخوف اراها اكثر ارتباطا بالترتيبات الذهنية للفرد نابعة من كون العقل البشري لا يستطيع تحمل كل ثقل الواقع الصلب وتبعاته لذا نكون أحيانا في وضع نكران ونسيان لما نمر فيه من تجارب وخبرات .
× ما الذي ترين فيه التحدي المقبل أمامك ؟
• هذا سؤال صعب لأنني اعمل الان على رواية وكل رواية هي بمثابة تحدٍ لي. 
× ما الذي يعنيه الحلم الأميركي لك ؟
• أرى في “الحلم الأميركي” عبارة غارقة في الفخامة الاصطلاحية metaphorical وأرى ان له جذورا تاريخية تمتد الى طائفة الطهرانيين Puritans فقد كانت أميركا بالنسبة الى البيوريتانيين القادمين من إنكلترا أرض الواقع الجديد newness الكاملة وكانوا يرون انهم ماضون في دربهم لخلق مستعمرة الرب في البرية الاميركية ، فكما ترى ان الحلم الأميركي ديني الجذور . أميركا في الأساس أمة متدينة جدا وليست ذات لون ديني واحد لأن ثمة الكثير من العقائد والمواقف الدينية فيها وهناك شيء ما فيها يلهم الناس و يجذبهم الى أميركا ، وهؤلاء الناس هم في العادة من المثاليين الأقوياء : فقد يكون بينهم رأسماليون ومليارديرات وبراغماتيون ذوو نزعة طاغية باتجاه الربح المادي الكبير ولكن مع هذا تراهم مسكونين بنزعة غارقة في المثالية الاخلاقياتية ويبدو انهم يحملون معهم بذور الدين أينما حلوا . ترى مثلا في معظم البلدان الصناعية وبخاصة الاوروبية منها ان من غير المعتاد ان يكون ميل لأي نوع من المشاركة الدينية بين مواطنيها ، لكن الحالة في الولايات المتحدة الاميركية تختلف عنها تماما فمع ان الحضارات الاوروبية أكثر قدما من الاميركية لكنها تلونت كثيرا وتأثرت بطريقة سلبية بتبعات التاريخ المؤذية ، وعلى الرغم من اننا – الأميركيين – خضنا حربا أهلية مدمرة وقاسية لكنها لا تقارن مع الحربين العالميتين الأولى والثانية . يبدو أننا نختلف عن الاوروبيين بقدرتنا على الايمان بقيم الدين والمثالية ومع ذلك نحن في غاية البراغماتية ولدينا معدلات جرائم لا تقارن مع أية بيئة اوروبية وكل مواطن امريكي يمكن ان يمتلك سلاحا وكل ما ذكرنا من عناصر امتزجت مع بعضها بشكل غرائبي وجعلت من الحلم الأميركي حلما متعدد الدلالة الاصطلاحية ، لذا أرى أن الحلم الأميركي مختلف الدلالة و غامض بطريقة ما وربما سيثمر شيئا ما في القرن الحادي والعشرين .

× هل تتحسسين في نفسك شيئا من معالم المثالية الأميركية التي تحدثت عنها ؟
• لست براغماتية كثيرا ولا أرى نفسي شخصا غارقا في النزعة المادية و بهذا المعنى أرى نفسي أقرب الى كوني مثالية . أرى نفسي أميركية حتى النخاع متى ما تعلق الامر بكونك مغامرا او مستكشفا وأميركا مليئة بنوع من البشر المسكونين بحب اكتشاف البيئات المتباينة سواء كانت خارجية ام داخلية .

× ما الكتب التي ألهمتك أكثر من غيرها وانت بعد يافعة ؟
• عندما كنت يافعة كان ثمة كتاب أقرأه وأعود لقراءته دوما وذاك هو : مجموعة أشعار اميلي ديكنسون The Collected Poems of Emily Dickinson ، وتتباين اشعار ديكنسون في الطول فبعضها أربعة سطور و بعضها طويلة ولكني اراها كلها فاتنة ويمكنك قراءتها مرارا وبحس مختلف في كل مرة ويمكن أن اضع أميلي ديكنسون في موضع مرتبة شكسبير ولكن شكسبير امر مختلف عنها تماما . أرى في أميلي ديكنسون الشاعرة الأعظم بين الشاعرات والشعراء معا فيما يخص العالم الجواني والروحانيات .

× لو جاءك طالب أو طالبة وقال لك ” نويت ان أكون كاتبا / كاتبة ” ، فأية نصيحة يمكنك تقديمها له او لها ؟
• اعمل دوما مع الطلبة في جامعة برينستون التي أدرس فيها منذ 1978 و اخبرهم دوما ذات الشيء : ان يعيشوا حياتهم الى أقصاها وان يقرأوا الكثير بلا برنامج قراءة محدد بصرامة وأن يسافروا كثيرا وان يقابلوا كثرة من الناس و يتحدثوا اليهم وان يصغوا لما يقولون جيدا ولا يقاطعوهم وان يستمعوا الى أجدادهم وهم يتحدثون عن عائلاتهم وان يكونوا حياديين بين الناس ولا ينصبوا انفسهم بمثابة من يدين أفعال الآخرين ويجعل من نفسه مرجعية اخلاقياتية . أقول لهم كلمة أخيرة : كونوا منفتحين ، أنظروا للعالم من حولكم ، انه جميل ، ودققوا فيه طويلا فهو باعث على الاندهاش والبهجة ويمكن لكم أن تتعلموا منه الكثير مما يمكن استخدامه فيما ستكتبون في أيامكم القادمة.
_______
*المدى

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *