تجارب توماس ترنسترومر طفولة تباغت الشاعر في كهولته


*خلود الفلاح


يمثل كتاب “ذكريات تراني” للشاعر السويدي توماس ترنسترومر، ترجمة طلال فيصل، وتقديم روبن فلتون، وهو مترجم ترنسترومر إلى الإنكليزية وأقدرهم على فهم شعره حسب الشاعر، سيرة حياتية لمرحلتي الطفولة والمراهقة، وهنا يبرز السؤال هل الطفولة مؤثرة على المدى البعيد؟ يقول ترنسترومر: نعم، الطفولة وسنوات التكوين، ونواته، الجزء الأكثر كثافة، هي بواكير هذه الطفولة، الفترة الأولى التي تتحدد فيها الملامح الأهم لوجودنا. أحاول أن أتذكر، أحاول أن أخترق وصولا إلى هناك لكن الوصول إلى تلك المناطق الكثيفة صعب وخطير، ويمنحني الشعور أني أقترب من الموت ذاته.
ويضيف: تجاربنا المبكرة، في معظمها، يصعب الوصول إليها، فهي لا تزيد عن كونها مجرد مرويات، وذكريات للذكريات، وإعادة تراكيب مبنية على حالات مزاجية تتوهج بشكل مباغت في الحياة. وبذلك يتفق مع الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو الذي اعتبر مرحلة طفولته في كتابه “الذكريات الصغيرة” أفضل وسيلة لفهم نفسه، مضيفا “أن من يعتقد أن السنوات الأولى من حياتنا هي فترة نعيشها وننساها فأنا أعتقد عكس ذلك تماما”.
يشير روبن فلتون في تقديمه للكتاب أن ترنسترومر عادة ما يواجه بسؤال أن هناك جانبا دينيا عميقا في قصائده في بلد علماني كالسويد وكانت إجابته: يمكن القول إنني أتعامل مع الواقع وكأنني أرى الوجود بمثابة لغز كبير، وأنه في بعض الأحيان أثناء لحظات معينة، فإن هذا اللغز يحمل طاقة هائلة، وفي هذا السياق غالبا ما أكتب. ومن ثم فإن هذه القصائد تشير دائما إلى سياق أكبر، سياق لا يمكننا إدراكه بعقلنا اليومي المعتاد، رغم أنه يبدأ أحيانا بشيء صلب تماما.
يقول المترجم طلال فيصل إنه عندما شرع في ترجمة هذا الكتاب فكر في إجراء مقابلة صحفية مع ترنسترومر للاقتراب أكثر من عالم الشاعر، لكنه تراجع عن الفكرة عندما أخبره الأصدقاء أن ترنسترومر مصاب بجلطة في المخ منذ عام 1996، كانت سببا في إعاقة حركته وقدرته عن الكلام، وأن زوجته هي التي تتولى الإجابة عن الأسئلة، لذلك لن تكون المقابلة ذات فائدة.
ويشير المترجم إلى أن هذا الكتاب هو أفضل مدخل لقراءة أدب الشاعر توماس ترنسترومر الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 2011،لأن فيه المكونات الأولى لإبداعه والمواضيع التي ستشغله طيلة مشواره الإبداعي بعد ذلك، كان من المفترض أن يتضمن الكتاب ستة عشر فصلا بدلا من ثمانية، لكن مرضه حال دون ذلك.
يتحدث ترنسترومر في كتابه عن علاقاته العائلية فهناك والدته التي عاش معها بعد طلاقها من والده ومعلمته وجده لأمه، الذي كان متعلقا به كثيرا فقد كان أول من عرفه على المتاحف والمكتبات، وكانا يقرآن معا، حتى أنه يحتفظ بصورة زيتية قديمة له تتوسط غرفة نومه يلقي عليها السلام كل ليلة قبل أن يخلد للنوم. ويضيف “بيننا صداقة عميقة”.
كما يتحدث الشاعرعن أكثر التجارب مرارة في حياته وهي إصابته في سن الخامسة عشرة بمرض نفسي يبدأ مع حلول المساء ويفلت من قبضته ببزوغ الفجر وهنا يقول: كنت أشعر أني محاط بالأشباح، لم أكن أنام إلا قليلا، أجلس في السرير وأمامي كتاب سميك، قرأت عدة كتب سميكة في تلك الفترة، ولكني لا أستطيع أن أقول إني قرأتها بالفعل، لأنها لم تترك أيّ أثر في ذاكرتي. كانت الكتب مجرّد حجة لإبقاء النور مضاء. ربما هي التجربة الأكثر أهمية على الإطلاق، غير أنها انتهت وكنت أظنها جحيما إلا أنها كانت مطهرا.
يكشف توماس ترنسترومر ولعه بالكتب، ففي مرحلة الطفولة المكان المخصص له في المكتبة هو ركن الأطفال وقد اهتمّ بحياة الحيوانات فقط.
وبما أنه حاول مرارا استعارة كتب من ركن الكبار إلا أن طلبه يقابل بالرفض من عاملة المكتبة، لذلك اتفق مع قريب له أن يمنحه بطاقته، يقول “واصلنا تمثيلية أنني أستعير الكتب من أجله، وهكذا صار بإمكاني الدخول حيث أريد. كان اهتمامي مكرسا للكتب غير الأدبية، تركت الأدب لمصيره وكذلك رفوف كتب الاقتصاد ومشاكل الاجتماع، فقد كان التاريخ مثيرا لاهتمامي، أمـا الطـب فقـد كان يخيفني”.
________
*المصدر: العرب

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *