موضوع إنشاء


كيم مونثو ٭/ ترجمة: رفعت عطفة


ماذا فعلتُ يومَ الأحد؟
كان الأحدُ يوماً مشمساً جدّاً وذهبتُ لأتنزّه مع أبي وأمّي. كانت أمي ترتدي فستاناً سكّرياً وسترة عظميةَ اللون وأبي كنزة بزرقة البندورة الجبلية وبنطلوناً رماديّاً وقميصاً أبيض مفتوحاً. أنا كنتُ ألبس كنزة مغلقة العنق، زرقاء ككنزة أبي، لكنّها أفتح، وسترة بنية وبنطلوناً بنّياً، أفتح قليلاً من السترة وحذاءً رياضياً أحمر، أمّي كانت تنتعل حذاءً فاتحَ اللون وأبي حذاءً أسود. في الصباح تنزهنا وفي الضحى ذهبنا لنتناول الفطور في بالمورال. طلبنا سويسو وكعكاً محشوّاً وأنا طلبتُ كُرواسان. ذهبنا بعدها لنرى الأزهار، وكان هناك أزهار حمراء وصفراء وبيضاء ووردية، وأيضاً زرقاء، قال أبي إنّها مصبوغة، ونباتات خضراء وبنفسجية وعصافير كبيرة وصغيرة، اشترى أبي الجريدة من الكشك. أيضاً ذهبنا لنتفرّج على الواجهات وحين توقّفنا طويلاً أمام واجهة فيها كنزات طلب أبي من أمي أن تُسرع. بعدها جلسنا على مقعدٍ أخضر في ساحة وكان هناك سيّدة مسنّة، شعرها أبيض وخداها حمراوان جدّاً، مثل البندورة، تُعطي الحماماتِ خبزاً، ذكّرتني بجدّتي، أبي يقرأ الجريدة طوال الوقت وطلبت منه أن يتركني أرى الرسوم، فترك لي نصفَ الجريدة وقال لي ألاّ أخرّبها. بعدها عندما صعدنا إلى البيت، بما أنّ أبي كان طوال الوقت يقرأ قالت له أمّي إنّه دائماً يقرأ الجريدة، وإنّها ضجرت: يقرأها في البيت وأثناء الإفطار والغداء وهو يمشي وفي البار، شتمتْهُ أُمّي ثم قبّلتني كما لو أنّها أسفت بعدها وبينما كانت أمّي تُحضّر الأرزّ في المطبخ ، قال لي أبي ألا أبالي بها. أكلنا أرزاً مَرِقاً، لا أحبّه ولحماً مع الفليفلة المقلية. أنا أحبّ الفليفلة المقلية كثيراً، لكنّني لا أحبّ اللحم، النيّئ، لكنّ أمّي تقول إنّه هكذا ألذّ، لكنّني لا أُحبّه. أُحبّ أكثرَ اللحمَ الذي يقدمونه لنا في المدرسة، محروقاً. لا أُحبُّ في المدرسة الأطباق الأولى أبداً. في البيت يعطونني نبيذاً بالمياه الغازية. في المدرسة لا. في المساء جاء عمّي وزوجته وابن عمّي، راح عمّي وزوجته يتحدّثان مع أبويّ في الصالون ويشربان القهوة وذهبنا أنا وابن عمّي لنلعب في الحديقة لعبةَ مالدمان وكرة القدم وسيارة الإطفاء وحروب رجال الفضاء، وتحوّل ابن عمي إلى غبيّ جداً لأنّه كان يخسر، الحقيقة أنّ ابن عمّي يزعجني كثيراً، لأنّه لا يعرف كيف يخسر، اضطُرِرْت لأن أصفعه وراح يبكي بصوت عال، وجاءت أمي وزوجة عمّي وعمّي وسألتْ أُمي ماذا جرى ثمّ وقبل أن أجيبها قال ابن عمّي: ضربني، فصفعتني أمّي وأنا بكيت أيضاً وعدنا جميعاً إلى الصالون، أمّي تمسكُ بيدي وأبي يقرأ الجريدة ويُدخّنُ سيجاراً جلبه له عمّي وأمي قالت له الولدان يقتتلان في الحديقة وأنت هنا، غير مبالٍ، مسترخٍ. وقالت زوجة عمّي لم يحدث شيء، لكنّ أمي قالت لها دائماً يحدث الشيء ذاته وإنها كانت أحياناً تنفجرُ. بعدها ذهب عمي وزوجته وبينما هم ذاهبون أخرج لي ابن عمي لسانه وأنا أخرجت له لساني، أبي أشعل التلفاز، لأنّه كان ينقل كرة قدم وأمّي قالت له أن يُبدّل القناة لأنّهم يعرضون في القناة الثانية فيلماً وأبي قال لها إنّه يشاهد المباراة ولا يريد.
بعدها ذهبتُ إلى الحديقة لأرى الدمية التي طمرتها هناك، بجانب الشجرة وأخرجتها وداعبتها ووبختها لأنّها لم تغسل يديها كي تأكل ثمّ عدت وطمرتها وذهبت إلى المطبخ وكانت أمي تبكي، قلت لها ألا تبكي. جلستُ بعدها على الكنبة بجانب أبي، وشاهدت المباراة برهة، لكنّني ضجرتُ بعدها ونظرت إلى أبي، الذي بدا كما لو أنّه أيضاً لم يكن يشاهدُ المباراة ورأسه في مكان آخر. بعدها وضعوا إعلانات، وهي أكثر ما أحبّ ثمّ الشوط الثاني وذهبت لأرى أمي، التي كانت تعد العشاء، تعشينا بعدها ووضعا فيلمَ رسوم متحرّكة وأخباراً، الفيلم قديم لفنانة لا أعرف اسمها، كانت شقراء جميلة جدّاً، صدرها كبير جدّاً. لكنّهما أرسلاني عند ذلك إلى النوم لأنّ الوقت مُتأخّر وصعدت الدرجات وذهبت إلى السرير. ومن السرير كنت أسمع الفيلم وكيف كان يتجادل والداي لكنّني لم أستطع أن أسمع جيّداً ما كانا يقولانه بسبب ضجة التلفزيون. ثمّ راحا يتشاجران/ صارخين فنزلت من السرير لأقترب من الباب وأفهم ما يقولانه، لكن وبما أنّ كلّ شيء كان مُظلماً ولا أرى جيّداً، فقط وهج القمر الذي كان يدخل من النافذة المطلّة على الحديقة، وبما أنّني لم أكن أرى جيّداً تعثّرتُ واضطررت للعودة إلى السرير خائفاً من أن يأتيا ليريا ما تلك الضجة، لكنّهما لم يأتيا. كنتُ أسمع كيف يُواصلان نقاشهما، الآن صرت أسمع أفضل لأنّه يبدو أنّهما أطفآ التلفاز وأبي يقول لأمّي أن تكفّ عن إزعاجه ويشتمُها ويقول لها إنّه ليس عنده طموحات وكانت أمّي أيضاً تقول لا أدري ما إن كان يجب أن يذهبَ هو من البيت أم أن تذهب هي وتذكر اسم امرأة وتشتمها، وسمعت بعدها زجاجاً ينكسر، ثمّ سمعتُ صرخات أعلى، أعلى بكثير، ولم أسمع بعدها شيئاً. سمعتُ بعدها ضجّة طويلة، لكنّها ضعيفة، كما يحدث عندما يجرّون طقماً من أريكة وكرسيّين كي يمسحوا الأرض. سمعت بابَ الحديقة يُغلق وعندها عدتُ لأخرج من السرير،سمعتُ ضجة في الخارج فنظرت من النافذة، وكانت قدماي باردتين لأنّني كنتُ حافياً وفي الخارج ظلمة ولا يُرى شيء، وبدا لي أنّ أبي يحفر بجانب الشجرة فخفت أن يكتشف الدمية ويُعاقبني فعدت إلى السرير وتغطيت جيداً غطيتُ وجهي تحت الملاحف في الظلمة وأنا مغمض العينين. سمعتهم يتوقفون عن الحفر، تلا ذلك خطوات راحت تصعد الدرجات فتظاهرت بالنوم وسمعتُ باب الغرفة يُفتح وفكّرت أنّهم لا بدّ ينظرون إليّ، لكنّني لم أرَ من كان ينظر إليّ، لأنّني تظاهرتُ بالنوم ولذلك لم أره. بعدها أغلقوا الباب ونمتُ وفي اليوم التالي ، البارحة، قال لي أبي إنّ أمّي قد تركت البيت وجاء بعدها سادة يسألون عن أشياء ولم أعرف بماذا أجيب وأنا أبكي طوال الوقت، وأخذوني لأعيش في بيت عمّي وابن عمّي كان دائماً يضربني، لكنّ هذا لم يكن يوم الأحد.
_________
*٭ كيم مونثو: أو جواكيم مونثو غومِث، قاص وصحفي إسباني من أب قطلاني وأمّ غرناطية (1952) من أعماله: حجم المأساة (جائزة إلتمبس للرواية. 1989)؛ وادي الحجارة (جائزة سِرّ دور للنقد 1997) ستّ وثمانون قصّة (جائزة جنراليداد قطلونيا الوطنية للآداب 2000)؛ ألف أبله (2008).
________
*المصدر: مجلة دبي الثقافية.

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *