كاريزما جائزة نوبل للآداب


*منصف المزغني

١-
– هل يعاني العرب عقدة نفسية من نوبل في فرعها الأدبي ؟
– نعم ، خاصة وأننا نعتبر أنفسنا أمة الشعر الاولى التي تحتفل بهذا الفن في العالم اجمع ، وتقيم له ابوظبي عاصمة الامارات العربية المتحدة ، مشكورة ، مهرجانا تحتفل فيه بالشعراء نجوما في التلفزيون من خلال اشهر برنامجين عالميين للشعر هما : ( امير الشعراء ) و(شاعر المليون ).
– ولكن نوبل ، منذ بدأت جوائزها سنة 1901. لم تكن تلتفت للشعر الا قليلا وتعنى اكثر بالرواية .
– كما ان العرب لا يطرحون أنفسهم لجائزة نوبل في فروعها العلمية الاخرى مثل الطب والكيمياء والفيزياء ، كما ان الفائزين بمثل هذه الجوائز ينتمون الى بلدان تنفق المال الكثير في البحث العلمي والاختراع ، وإسرائيل رائدة في هذا المجال وحصدت جوائزه العلمية دون نقاش او جدال من نوع الانحياز او اللوبي الصهيوني .
– وحتى نوبل السلام ، فان العرب لا يطمحون في نيلها،
– حين فازوا بها مرة في السلام ، كانوا يُفوّزون لأسباب إسرائيلية ،كما هو الحال مع السادات وياسر عرفات حين قاسمهما الجئزةَ إسحاق رابين ، وليس بسبب تصديق نوبل للعرب والمسلمين في نداءاتهم المتكررة للعالم بالسلام و بحوار الحضارات والأديان .
– ولكن العرب ذاقوا نوبل الآداب مرة واحدة بلسان نجيب محفوظ ، سنة 1988 .ثم دخلوا منطقة الحرمان . 


٢-
– ولكن الجوائز الادبية كثيرة في العالم العربي ، في هذا البلد او ذاك، وتبقى جائزة الشيخ زايد للكتاب في دولة الامارات العربية المتحدة ، أشهر الجوائز الأدبية عند العرب ، وارفعها قيمة مالية ، وتمنح للفائزين العرب وغيرهم في اكثر من فرع ، وتوزّع سنويّا بمناسبة المعرض الكتاب الدولي بأبوظبي .
– أمّا الإسبان فقد انتصروا هم أيضاً للغتهم ، واحدثوا جائزة” سرفانتاس” التي فاز بها كتاب من إسبانيا ، ومن كتاب الاسبانية في أمريكا اللاتينية ، ونالها اكبر كتّاب هذه اللغة والذين فازوا بنوبل للاداب أمثال المكسيكي أوكتافيو باث ، والأسباني دي ثيلا وَ البيروفي فارقاس يوسا،
– ولكن بعض الجوائز تشكل عقدة نقص بالنسبة لبعض الأدباء، رغم ان بعضهم ينال هذه الجائزة ولا ينال تلك ، وتفعل الجائزة بالراغب فيها نوعًا من التنكيل النفسي الذاتي الذي لا علاقة له بالحافز الماديّ .
– ولعله نوع من الإدمان على الجوائز التي تجعل الراغب في الجائزة مريضًا بها ، لانه لم ينلها وهو من كبار خُطّاب ودّ ها ،
– فجائزة ( ثيربانتس ) شكلت عقدة سرية لدى الكولومبي الأشهر غابريال غارسيا ماركيز ، وهو صاحب نوبل ١٩٨٢، ولكن لم يفزْ ب( ثيربانتاس ). .
– وتبقى نوبل ، لحد الان ، من اكثر الجوائز إنتاجا للعقد النفسية لدى الأدباء الأحياء السُعاة فوق الكرة الأرضية من كل البلدان ، والأعراق والألوان من العربان والأسبان…
– والروس والالمان والطليان والرومان..
– و باكستان وأفغانستان ، وبلاد الهند والسند وأستراليا واليابان. 

٣-
لقد شاءت الظروف العديدة ان تكون لهذه الجائزة “كاريزما” خاصة ، نبعت من أشياء كثيرة هي :
– نوبل هي جَدَّةٰ الجائزات ، وأمهنّ الأكثر صمودا ،واطولهن عمرا ، فقد بدأت في منح نفسها الى الحائزين علبها منذ اكثر من قرن من الزمان، فأول جائزة أسندت سنة 1901 .
– طرافة صاحب الجائزة ، فهو المنعوت ب” تاجر القتل ” تبداُ من وصيته الأسطورية ،لان الجائزةالتكريمية كانت في الوقت نفسه ، جائزة تكفيرية لصاحبها عن ذنب توهم ارتكابه .
– طرافة الذنب الذي التبس فيه اقتران اختراع نوبل العالم الفيزيائي للديناميت بالمال الكثير الذي حصله، والدمار الكثير الذي حصده الديناميت .
– جائزة نوبل هي التي تخطب ودّ الفائز بها ، والفارس الذي يخطفها او الفارسة ، خاصة في الميادين التي فيها يتدخل الذوق ( جائزة الآداب ) والمصلحة ( جائزة السلام ) .

٤-
هناك كتاب مشهورون ، يتمتعون بمقروئية عالية ، عاشوا طويلا ثم ماتوا وفي نفسهم شيء من نوبل ، و عاشوا يشككون في الجائزة ونواياها كلما ازورّتْ عن طريقهم ،
– ولعل لجنة الجائزة كانت تتلذّذ بانتظارات هؤلاء الكتاب ولا تلقي بالا الى ناشريهم ،ووكلاء توزيعهم ، وقرائهم المنتشرين في اللغات الحية،
– والجائزة تمتنع، وتتدلّع، وتحيا ، كما الغواني ، ولكن لا يغرّها الثناء كما قال شوقي ،
– نعم ، هي تبتزُّ عشاقها، وتنتظر منهم ان ينتظروها ،
– وفي اليوم الأخير ، ساعة اعلان الجائزة ، في بداية الأسبوع الثاني من اكتوبر تتفرقع التوقعات ، وتخيب الآمال ، وينتبه النَّاسُ الى ان الفائز الأدبي بنوبل ، مغمور ومطمور ، فيلفت اليه الناشرون والمترجمون ، ثم يلقي خطابا في الأكاديمية السويدية ، وغالبا ما يطويه النسيان، بعد ذلك .

٥-
لقد دخلت نوبل قرنها الثاني ، وأموال نوبل لا تنتهي ، ويبدو ان الوصية محكمة، والأموال كانت طائلة،
– انحازت نوبل للآداب طيلة أكثر من قرن الى أدباء فرنسا ، وخلال اكثر من مائة مرة كان نصيب فرنسا ١٥ مرة.
– ولكن الجائزة تدري أنّ النسيان أصاب الكثيرين من الذين فازوا بها ، وأهمله القراء ،
– وقد تنسى جائزة نوبل، في غمرة غرورها، انها هي التي فازت ببعض الأدباء مثل ماركيز ، وفولكنر ،وَ نيرودا ،وهمنغواي ،
– ونسيت ان تفوز بأدباء عرب ( رحلوا ) مثل طه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف ادريس وطيب صالح ومحمود درويش ،
– وغربيين من أمثال الراحلين تولستوي و سيمون ديبوفوار ، وجورج أمادو وأندريه مالرو ، و جورجي لويس بورخيص ،
– واتراك مثل ناظم حكمت ،و كمال يشار ، وعزيز نسين ، وَ الطابور طويل>

٦-
وهاهي ،في هذا العام 2015 ، تواصل نوبل للاداب رحلة النسيان ، وتنسى أنّ تتذكر كتابا راسخي القلم أمثال اسماعيل قدري وميلان كونديرا ، وباتريك سوسكند ، و بول أوستر، والقائمة الجميلة اطول ، ولكن نوبل للاداب لا تتوافق في العادة مع كثرة القراء ،
– و تسند جائزة الفرع الأدبي الى الكاتبة المنشقّة ، من روسيا البيضاء ، فاسمها غريب تماماً في المكتبة العربية :
“سفيتلانا الكسيفيتش ” التي بدأ نجمها يصعد في اوروبا منذ كتابها الأدبي التقريري التوثيقي عن محنة شرنوبيل وعنوانه ( التضرّع ، شرنوبيل.وقائع عالم بعد القيامة ) وقد تُرٍجم الى اكثر من عشرين لغة ، وهو ممنوع في روسيا البيضاء، ولكن الكاتبة تقول انها” محمية بفضل قرائها ، ولا يعنيها ان كانت كتاباتها تروق للسلطات في بلادها ام لا ” .
– وجاء في تبرير الجائزة من قبل الأكاديمية السويدية كلاما عاما ينطبق حتى آلاف الأدباء في الكرة الأرضية ، فقد ورد في التقرير التبريري: “كتابات سفيتلانا الكسيفيتش متعددة الأصوات التي تمثل معلماً للمعاناة والشجاعة في زماننا “
– بل وينطبق حتى على كتابات بديع الزمان الهمذاني في زمانه! .

٧-
– وما العمل العربي المشترك ؟
– على القراء العرب ان يتعرفوا على هذه الكاتبة الروسية البيضاء ، وَ يتأمّلوا أسلوبها الذي جعلها تفوز في السنوات الاخيرة بجوائز تقديرية كثيرة ،فالكاتبة الروسية البيضاء متوفرة بالفرنسية والانقليزية ، وباقي اللغات الحية ،
واذا شاء القراء الأعراب قراءتها بالعربية الفصحى ؟
– فلينتظروا ان تلتفت بعض دور النشر العربية او جهات الترجمة لتعريف القارىء العربي بهذه النوبلية الجديدة ،
٨-
– في العام القادم، هناك كاتب اخر، وقد يكون عربيا ،( من يدري ؟) ، فمن اسباب كاريزمية نوبل الأدبية انها تنتج عشاقها باستمرار، وتمنح نفسها خاصة لمن لا يخطب ودها من الكتاب او الكاتبات وشعارها هو ما قيل قديما ، عن طلب الولاية :
” فَمَنْ طَلَبَ الولايةَ لا يُوَلّى ” .
_______
*المصدر: موقع 24 الامارات
.

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *