ماذا يقول علم الأعصاب عن الإبداع والجنون؟




إيريك جافي/ ترجمة : آماليا داود

خاص ( ثقافات )

بحث جديد يسلط الضوء على العقل المبدع والعقل المضطرب .
فكرة الربط بين الإبداع والجنون فكرة قديمة من الأيام الأولى للبشرية. في اليونان القديمة أشار ارسطو إلى غرابة اطوار الشعراء و الكتاب المسرحيين ، ورأى ارسطو أن بعض أنواع الإبداع مرتبطة بالاكتئاب ، وفي عصرنا الحديث هناك مثال لبعض هؤلاء العباقرة فمثلا؛ روبرت شومان كان يسمع أصواتا غريبة ، وسيليفيا بلاث التي وضعت رأسها في الفرن وماتت إثر التسمم بأول أوكسيد الكربون ، وفان كوخ الذي قطع أذنه اليسرى.
اليوم؛ الاعتقاد لا يتجزأ بربط الإبداع والمرض العقلي وهو شيء راسخ في الرأي العام، ويجد العلم أحياناً الكثير من الأدلة العلمية وراء ذلك، إذ وجد الباحثون في السلوك والمخ عددا من العلاقات القوية غير المباشرة بين العقل المبدع والمضطرب؛ العقل المبدع أكثر عرضه للمعاناة من اكتئاب ثنائي القطب ، وأقارب مرضى الفصام يتميزون في مجالات الإبداع ، اضطراب الشخصية* يجعل الشخص أكثر عرضة لمرض انفصام الشخصية، بالمقابل يجعله مبدعا.
أجرى مجموعة من علماء الأعصاب بقيادة أندرياس فينك من جامعة غراتس في النمسا، دراسة عن موضوع انفصام الشخصية والإبداع ، وقد شارك في الدراسة أشخاص لديهم نسب عالية أو منخفضة من اضطرابات الشخصية ، وبواسطة ماسح ضوئي للدماغ و طُلب منهم أن يذكروا مهام شيء يستخدمونه كل يوم.

ووجد فريق فينك تشابها بين أنماط الدماغ بين هؤلاء الذين سجلوا علامة جيدة في الإبداع والذين سجلوا علامة جيدة في اضطرابات الشخصية ، وكلا الفريقين أظهرت نتائجهم انخفاض التعطيل في الطّلَل الأيمن وهي منطقة في الدماغ تساعدنا على جمع المعلومات ، واستنتج فينك وفريقه أن المبدعين ومرضى النفصام يشتركون في عدم القدرة على تصفية المواد الغريبة أو غير ذات الصلة.
” وهكذا فإن الاستنتاج بأن الإبداع واضطرابات الشخصية تظهر آثارا مماثلة على مستوى الدماغ، تدعم فكرة أن العمليات المعرفية مماثلة في التعرض للذهان”؛ يوضح فريق فينك.
وهذه النتائج تعزز نظرية شيلي كارسون الطبيبة النفسية في جامعة هارفارد ومؤلفة كتاب” الدماغ وعملياتك الإبداعية”، التي تقول إن الإبداع والمرض العقلي يتشاركان بما يسمى ” إزالة التثبيط* المعرفي ” وهذا السلوك المعرفي يعني الفشل في التخلص من المعلومات والبيانات عديمة الفائدة أو حتى الصور أو الأفكار من الإدراك الواعي ، وهذا الفشل يجعل الشخصيات الفصامية أكثر عرضه للأفكار الوهمية أو للتشوش الذهني ، وعلى الجانب الآخر يمكن أن تجعل العقول المبدعة أكثر خصوبة.
تقول كارسون :” هناك الكثير من المعلومات في الإدراك الواعي والتي تكون مجتمعة والتي يعاد تركيبها بطريقة جديدة ومبتكرة في رواية تكون أفكارها خلاقة”.
إزالة التثبيط المعرفي هو جزء أكبر من نموذج لكارسون تسميه ” الضعف المشترك ” بين الإبداع والاضطراب النفسي ، والفكرة وراء ذلك تكمن في العوامل المعرفية التي ستؤثر ما إذا كان الشخص سوف يصبح مبدعاً او مختلا عقلياً أو بينهما ، بالإضافة إلى عوامل أخرى تلعب دورا مهماً منها الذاكرة العاملة ومستوى الذكاء بأنواعه والاهتمامات وتفضيل التجديد والأصالة .
والنتيجة التي يجب ان تبقى في عين الاعتبار عند النظر في نقاط ” الضعف المشتركة” ، فيمكن اشتراك عدة أشخاص في نقاط الضعف السلوكية والبيولوجية مع ذلك لا يتشابهون ، ولهذا السبب ليس كل المبدعين مجانين وليس كل المرضى النفسيين مبدعين ، وتقول كارسون إن معظم المبدعين لا توجد لديهم مشاكل نفسية حادة على الإطلاق .
وهذه النتائج تعيدنا مرة أخرى إلى القائمة الطويلة من الفنانين غريبي الأطوار عبر العصور ، وربما السبب يعود للجينات التي تسهم في المشاكل النفسية للإنسانية وايضاً تسهم بالإبداع المتفوق ،” مع أننا نعرف أن المرض العقلي في حد ذاته لا يعطي نتيجة، لكن قد تكون هناك أنواع من الأمراض النفسية التي تعزز الإبداع المتفوق ” و تضيف كارسون: ” إذا كانت هذه النظرية صحيحة ففكرة الجنون وارتباطها بالإبداع سوف تبقى لفترة طويلة” .

هوامش:
* في علم النفس schizotypy : هي نظرية تفيد أن هناك سلسلة متصلة من الخصائص الشخصية والخبرات التي تتراوح بين حالات الخيال العادية والحالات الأكثر تطرفاً المتعلقة بالذهان وخاصة الفصام، والكلمة بالانجليزية schizotypy والتي ترجمتها إلى مصطلح اضطرابات الشخصية .
*التثبيط : التثبيط من الحيل النفسية وفيها يقرر الفرد بإرادته ووعيه أنه لن يشبع دوافعه وأنه سوف يتعايش مع عدم إشباعها لأن إشباعها في الوقت الحاضر سيكون صعبا أو مستحيلا. وفي تعريف آخر؛ هو كبت المشاعر والأحاسيس والسلوكيات التي تسبب الصراع والألم أو الضيق أو قد تسبب مشاكل لدى الفرد نفسه.
_________
المصدر : fastcodesign.com

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *