العلم الميداني والفكر المستقبلي والشعر


*لطفية الدليمي



كان الرئيس الهندي الراحل البروفيسور زين العابدين عبدالكلام بنزوعه الروحاني العميق يحيا ببساطة وتواضع كمتصوف درويش، يقدس المعرفة ويفكر برفعة عالم جليل، لم ينغمس في انحياز سياسي، ولم يتحدث باسم دين أو طائفة أو قومية أو عرق، لأنه داعية علم ومعرفة، وحالم لا يشغله سوى مستقبل بلاده.
حدّد البروفيسور عبدالكلام في حوار معه سمات القيادة الناجحة التي لا بدّ أن تتوفر في قيادة مشاريع التكنولوجيا والقيادة السياسية بما يلي:
1- أن يمتلك القائد الرؤية (VISION).
2- أن يطرق وسائل غير مستكشفة من قبل الآخرين؛ فالناس يستسهلون الطرق المطروقة كي لا يدفعوا الثمن المترتب عن مغامرة التجريب.
3- أن يعرف القائد كيف يتعامل مع النجاح، والأهم من ذلك كيف يتعامل مع الفشل.
4- أن يتحلّى بالشجاعة في اتخاذ قرارات مسؤولة.
5- أن يعمل بنزاهة كاملة وسط محيط من المساعدين والمستشارين الذين يناظرونه نزاهة ليتمكّن من تحقيق الأهداف المؤشّرة.
يقول البروفيسور عبدالكلام في قصيدة بسيطة عن أهمية التعليم والإبداع المفضي إلى المعرفة:
التعلّم يمهّد السبيل للإبداع
الإبداع يقود إلى التفكير
التفكير يخلق المعرفة
المعرفة تجعلك شخصا عظيما…
عمل عبدالكلام على تطوير البرنامج النووي الهندي والصواريخ الباليستية واعتبره الهنود بطلا قوميا حقق تطلعاتهم في امتلاك التقنية والقوة لتحقيق السلام، واعتمدته الحكومة الهندية مستشارا علميا لها قبل أن يختاره الهنود -وهو الرجل المسلم- رئيسا.
وكان بحق جديرا برئاسة بلد متعدد الثقافات لأنه من الرجال القلائل في التاريخ الإنساني ممن جمعوا بين العلم الميداني والفكر المستقبلي وقيادة بلد.
و عبدالكلام هو من وضع الخطوط الرؤيوية لمستقبل الهند حتى عام 2020، ويعرف عالميا بأنه من أعلام العلم والتكنولوجيا في عصرنا، فاستحق لذلك ثلاثين درجة دكتوراه من جامعات العالم العلمية.
يقول عبدالكلام “إن من أهم الدروس التي تعلمتها في برنامج الهند الفضائي والصاروخي هو أن لا نكتفي بالتعامل مع النجاح، بل ينبغي أن نتعلّم كيف نتعامل مع الفشل أيضا، وأودّ كثيرا أن يدرك الشباب كيف يتعاملون مع الفشل”.
لعبدالكلام عدد من الكتب أبرزها كتاب سيرته الذاتية “أجنحة النار” وكتاب “الهند 2020: رؤية للألفية الجديدة”، وكتاب “رحلتي” وكتاب “العقول النيرة: استغلال الطاقة في الهند”.
كرس الرجل حياته للبحوث العلمية والمنجزات التقنية فلم يتزوج، ولم يعرف عنه أيّ انحياز لموقف سياسي سوى الانتماء للهند ومستقبلها، في وقت يتهافت رؤساء دولنا على صغائر الأمور، ويفصحون عن عوزهم للمعرفة، ويتباهون بانتماءاتهم السياسية الضيقة على حساب مصلحة أوطانهم، فلا يعتنون بالثقافة والتعليم ومستقبل الوطن.
بينما يفخر الراحل زين العابدين عبدالكلام في محاضرة عن تجربته وتجربة الهند مع الثقافة والمعرفة، بأنه “أثبت حضوره ونجاحه عن طريق العلم”، وكأنه يشير إلى أن بلاده ذات الأكثرية الهندوسية وديانات أخرى عديدة لم ترفعه إلى المركز الأول في الهند -وهو المسلم- إلا بالعلم والتفوق وما عرف عن زهده ونزاهته، وطوال فترة رئاسته وبعدها ظل يدعو إلى أن يمتلك كل بيت مكتبة، وأن تتاح للجميع حرية القراءة واختيار نمط التعليم المناسب لكل فرد.
_______
*العرب

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *