باب الأسباط .. بوابة مدينة القدس القديمة



باب الأسباط.. هو المدخل الشرقي الوحيد لمدينة القدس القديمة، تمّ بناؤه في عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس، وترميمه من قِبَل الحاكم العثماني سليمان القانوني عام 1817، ويُعدّ الباب المدخل الوحيد للمسجد الأقصى من ناحية السور الغربي خاصة للمصلين والقادمين إلى القدس، حيث تتمركز قوات الاحتلال الإسرائيلي للسيّطرة على مَنْ يمر من وإلى المسجد الأقصى.

ويُعرف باب الأسباط بمجموعة متنوّعة من الأسماء، ومعظمها لا تزال تُستخدم في هذه الأيام، فبالإضافة إلى باب الأسباط، يطلق عليه البعض “باب مريم”، أو “بوابة القديس ستيفن”، وأيضاً “باب الغنام”، و”باب أريحا”، بالإضافة إلى “باب الأسود”، ويفضّل الكثير من المسلمين تسميته باب الأسباط لترسيخ مبادئ التسامح وعدم التعصّب، في ظل إطلاق مسميات الأنبياء والشخصيات اليهودية والمسيحية على البوابة.
ففي الديانة المسيحية يطلق الأقباط عليه “بوابة القديس ستيفن” بسبب الاعتقاد بأن قبر القديس ستيفن أول شهيد مسيحي تمّ رجمه في وادي قدرون بالقرب من الباب، كما يطلق عليه الأقباط أيضاً “باب السيدة مريم”، وهذا ينبع من الاعتقاد بأن مريم والدة يسوع المسيح، وُلدت في منزل مجاور للبوابة.
وفي اليهودية كان يُطلق على الباب “بوابة يهوشافاط”، لأن الطريق كان يؤدي إلى وادي يهوشافاط، الذي تعبّد فيه الحاخام بنيامين توديلا في القرن الثاني عشر الميلادي، وتحديداً عام 1173، بينما يطلق العرب على الباب “باب الأسباط” كما جاء في القرآن، لأن أسباط إسرائيل دخلت البلدة القديمة من خلال هذا الباب.
ويُعدّ الباب واجهة فلسطين الشرقية للبلدة القديمة التي تكشف عن عدد من صفات وخصائص العمارة العسكرية المميّزة في العصر المملوكي، وتمّ بناء الواجهة من الحجارة من الحجم الضخم، خصوصاً في الجزء الأسفل من الباب، وفي منتصف الواجهة توجد بوابة مستطيلة الشكل تنتهي في الأعلى على شكل قوس، وفوق القوس هناك قطعة حجرية مستطيلة تمّ تصميمها كعنصر زخرفي، وعلى جانبي القوس يوجد أربعة من الأسود يمثلون شعار السلطان المملوكي الظاهر بيبرس خلال فترة حكمه من 1260 إلى 1277، حيث تمّ نقش شعار الأسد على المباني والقطع النقدية في تلك الحقبة. 
وعلى الحافة الخارجية فوق الأسود هناك لوحة دائرية مزينة بنقوش نباتية، وفوق وتحت هذه اللوحة فتحات مستطيلة لإطلاق النار والسهام على الأعداء، ويُعدّ مدخل باب الأسباط نموذجاً للعمارة العسكرية، لاحتواء الجدار الغربي على دهاليز متعرجة تؤدي إلى عرقلة حركة تقدّم العدو، وفي فترة الانتداب البريطاني على فلسطين تمّ إزالة الجدار الغربي للمدخل، مما يسمح للدخول مباشرة دون الانعطاف شمالاً ويميناً.
ودارت العديد من الأساطير حول الأسود المنحوتة على باب الأسباط، فهناك رأي يقول: إن هؤلاء الأسود كانوا في طريقهم لالتهام السلطان سليم، والد السلطان سليمان الأول (سليمان القانوني)، عندما حاول تدمير القدس، ولكن المؤرخين يردّون على هذا الرأي بأنه ضعيف في الأسانيد ويتناقض مع الإجراءات الثابتة تاريخياً، خاصة وأن السلطان سليم فتح القدس، وقام بإنشاء موقع لدخول وخروج الحجاج المسلمين.
وهناك أسطورة أخرى تقول: إن السلطان سليم عندما زار بيت المقدس شاهد أربعة أسود تهاجمه في المنام، ولم يستطع المنجمون تفسير الحلم، حتى قابل شيخاً كبيراً في أحد المساجد روى له الحلم، حيث سأله الشيخ: فيما كنت تفكر قبل وقت النوم؟ ردّ السلطان: كنت أفكر في حيلة لمعاقبة أهل القدس لرفضهم دفع الضرائب، فحذّره الشيخ من الإقدام على هذه الخطوة، وبعد تفسير الحلم أمر السلطان سليم بإعادة بناء باب الأسباط، ونحت الأربعة أسود على جدران الباب، حتى يتذكّر دائماً حكمة الخالق والعدل بين الناس.
ويعلو باب الأسباط ثلاث واجهات: الواجهة الشرقية التي تقترب من البلدة القديمة، وواجهتان بسيطتان في التصميم من الناحيتين الغربية والجنوبية، وتمثّل الواجهة الشرقية ضخامة في التصميم والحجارة المستخدمة، وفي وسط هذه الواجهة يوجد مدخل تعلوه العتب على التوالي مكوّنة من 13 حجارة، ومباشرة فوق العتب وضعت لوحة حجرية مستطيلة الشكل دون أيّ نقش، مما يدل على أن وضعها لم يكن لأغراض الزينة مثل اللوحات الأخرى الموجودة على جدار باب الأسباط.
ويحيط اللوحة الحجرية على الجانبين الشمالي والجنوبي أقراص حجرية دون زخرفة، وعلى رأسها حجر كبير به نقش بارز من الأربعة أسود (اثنان على كل جانب)، وتظهر نقوش الأسود القوة وخفة الحركة، وخاصة في تعابير الوجه والكفوف والذيول، كما يوجد على الواجهة الأمامية للباب خمسة شقوق كانت تُستخدم لرماة الأسهم لأغراض المراقبة والرماية وردع الأعداء.
ويُعدّ الباب بوابة دخول إلى البلدة القديمة أو زيارة المسجد الأقصى، كما يمكن للزائر السير للوصول إلى مقابر “باب الرحمة” التي يُدفن بها عدد من صحابة الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) والإطلالة على جبل الزيتون، والنظر إلى جدار المسجد الأقصى وحائط القدس، وباب التوبة (البوابة الذهبية)، وفي الجزء الجنوبي الشرقي يمكن الوصول إلى باب المغاربة.
وكالة الصحافة العربية

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *