معبد دندرة.. أسطورة خلّدها التاريخ



نوران الأمين

دندرة.. مدينة صغيرة تقع على الضفة الغربية لنهر النيل، على بعد حوالي 5 كيلومترات إلى الجنوب من محافظة قنا، يوجد بها أحد أعرق المعابد في مصر القديمة التي كانت مخصّصة لعبادة الإله حتحور، ويوجد المعبد في مكان معزول على حافة الصحراء على بعد حوالي 2.5 كم إلى الجنوب الغربي.

وعلى الرغم من أن دندرة لم تكن مقاطعة اقتصادية قوية حقيقية خلال عصور ما قبل الميلاد، لكن هذه المنطقة كانت ذات أهمية كبيرة في أذهان كل الحكام المصريين، لا سيما وأن القدماء المصريين أو الفراعنة كانوا يعتقدون أنها منطقة الآلهة الواصلة بين الأرض وكوكب الزهرة، ولذلك كان يصوّر الحكام الرومان على جدار المعبد خلال تقديم بعض المقدسات والمصليات والقرابين للإله حتحور.
ويحتوي مجمع معبد دندرة على معبد حتحور، الذي يُعتبر واحداً من أفضل المعابد حفاظاً على الآثار الموجودة بداخله، بسبب عوامل الرياح والتربة الرملية التي غطّت المعبد بأكمله بالرمال، وهو ما حافظ على المعبد من النهب، كما حُفظت محتوياته والنقوش على الجدران، بالإضافة إلى العديد من الغرف، ومجمع المعبد يقع على مساحة 40 ألف متر مربع، ويحيط به جدار ضخم من الطوب اللبن.
ويعود تاريخ المبنى الحالي إلى أزمنة سلالة البطالمة واكتمل من قِبَل الإمبراطور الروماني تيبريوس، حيث قام المعبد بهيئته الحالية على أنقاض وأساس المباني القديمة التي يعود تاريخها إلى الملك خوفو (باني الهرم الأكبر) وفرعون مصر الثاني من الأسرة الرابعة التي حكمت في الفترة من 2494 إلى 2613 ق. م.، ويضمّ المعبد تماثيل تعود إلى العصر الروماني والفرعوني، فضلاً عن بقايا أنقاض الكنيسة القبطية وكنيسة صغيرة مخصّصة لإيزيس، ويرجع تاريخها إلى العصر الروماني أو عصر البطالمة.
ويوجد بالمعبد العديد من الآثار القديمة، مثل: الهيكل الرئيسي لمعبد حتحور، معبد ولادة إيزيس، البحيرة المقدسة، بوابات من دوميتيان وتراجان والكشك الروماني، ويُعتبر معبد حتحور مدخلاً لمجمع معبد دندرة، ويوجد على جدرانه نقوش تعود لفترة حكم الملكة كليوباترا السابعة وابنها يوليوس قيصر، والمبنى يطغى على جميع أجزاء معبد دندرة الرئيسي، حيث تمّ تعديل هيكل حتحور خلال عصر الدولة الوسطى وحتى وقت الإمبراطور الروماني تراجان، وقد تمّ بناء الهيكل القائم أواخر العصر البطلمي.
وتحتوي عناصر تخطيط المعبد على قاعة الأعمدة الكبرى، وقاعة الأعمدة الصغرى، والدرج، وقاعة التاسوع المقدس، ومقعد كبير ورئيسي، ومزار نومي من دندرة، وضريح إيزيس، وضريح حتحور، وضريح آلهة مصر السفلى، ومحكمة العيد الأولى، وتعود دائرة بروج دندرة المنحوتة من المعبد إلى العصر اليوناني – الروماني، وتحتوي على صور من برجي الثور والميزان، كما يضمّ المعبد لوحاً من الحجر الرملي للإله حتحور وإيزيس، وهو جزء من سقف أحد المصليات، حيث تمّ الاحتفال بقيامة أوزوريس، وفي عام 1820 تمّ إزالة هذا المخطط من معبد دندرة ونقله إلى “متحف اللوفر” بفرنسا في عام 1821، بإذن من الحاكم المصري محمد علي باشا، ويُعدّ اللوح الرملي واحداً من المعالم الأثرية المصرية الأكثر شهرة في فرنسا.
ومقبرة دندرة عبارة عن سلسلة من المقابر المصطبة منذ عصر الأسرات المبكرة للدولة القديمة، ويبلغ مجموع مقابر حتحور داخل المعبد 12 غرفة مؤرخة ببعض النقوش في عهد بطليموس الثاني عشر، واستخدمت هذه الغرف لتخزين الأيقونية الإلهية والتماثيل والمجوهرات وعروض الآلهة.
ويوجد بمعبد حتحور غرفة الإغاثة التي تُعرف أحياناً باسم “ضوء دندرة”، وتشتمل على ضوء خمسة نقوش حجرية، ويرى علماء المصريات أن الإغاثة هي تصوير الأسطورة بين عمود جد وزهرة اللوتس وبيض الثعبان، والتي تمثّل جوانب من الأساطير المصرية القديمة.
وعلى الدائرة الداخلية يوجد الأبراج التي تبيّن علامات البروج، مثل: رام، برج الثور، برج العقرب، والجدي، كما يوجد العديد من الأكشاك التي تعود للفترة الرومانية خارج سور المعبد، مثل بوابة دوميتيان وتراجان، وبهما الكثير من النقوش والزينة الرائعة، ويؤديان إلى فناء الحرم الداخلي للمعبد، وينقسم الحرم إلى ثلاثة أروقة وممرات يمنى ويسرى، فضلاً عن باب وهمي كبير يقع في الحائط الخلفي من الحرم.
وداخل المعبد يمكن رؤية بقايا كاتدرائية الأقباط المسيحيين التي يرجع تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي، وبين الكنيسة القبطية ومعبد حتحور هناك بيت ولادة أصغر، والذي بني في عهد “نكتانيبو الأول”، ولكن تمّ هدم جزء من بيت الولادة الإلهي من أجل توسيع باحة معبد حتحور، وما تبقى من بيت الولادة تمّ تزيينه في العصر البطلمي بصور الفراعنة البطالمة يقدّمون القرابين لحتحور.
وفي جنوب معبد دندرة يوجد مبنى يُعرف باسم “مصحة”، وهو فريد من نوعه في العمارة المصرية القديمة، وكان عبارة عن مصحة أو منتجع صحي، حيث كان يأتي المصريون القدماء للعلاج فيه عن طريق الآلهة، وكانت هناك مياه مقدسة للاستحمام وغرفة للنوم، حيث كان يأمل المرضى في الحصول على مساعدة الآلهة في أحلامهم، وإلى الغرب من مبنى المصحة هناك كنيسة صغيرة بُنيت من قبل منتوحتب خلال عهد الأسرة الحادية عشرة، ويعتقد أن هذه الكنيسة كانت قد خصّصت لعبادة الفرعون بدلاً من الإله حتحور، وقد تمّ تفكيك الكنيسة وأُعيد بناؤها داخل متحف القاهرة.
وكالة الصحافة العربية

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *