“في عشق جيفارا”.. أسطورة الحب



محمد الحمامصي

تأخذنا رواية “في عشق جيفارا” للروائية الكوبية آنا مينانديس والتي قام بترجمتها الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم، وصدرت هذا الأسبوع عن سلسلة روايات الهلال، إلى أجواء كوبا في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، حيث نعيش قصة حب الثوري الأشهر في العصر الحديث تشي جيفارا، فالرواية وفقا للمترجم تدور حول فكرة عجيبة، حكاية داخل حكاية، حيث تبدأ البطلة مع صندوق ذكريات، تختفي فيه فترة، لتظهر بطلة جديدة، هي أمها الفنانة، التي عاشت حياة عاطفية مع أشهر أيقونة ثورية في العالم الثالث، إرنستو تشي جيفارا، إلى أن تختفي هي الأخرى، لتظهر من جديد البطلة الأولى، وتعيش حياتها الثانية، لكن بحثاً عن صاحبة صندوق الذكريات.

ويؤكد المترجم أن الرواية تأسر الألباب، إذ تأخذ القارئ إلى أجواء الخمسينيات والستينيات في كوبا، عبر غراميات سحرية، مشوبة بالغموض، لا تعرف فيها عنصر الخيال من عنصر الواقع، كما تغصّ الرواية بأشكال من الوعي المعرفيّ: التاريخيّ، المكانيّ، الثقافيّ، الإنسانيّ، وحتى الحسّي الإيروسيّ. كما لا نُغفل النمط الشعريّ في السرد، حيث نرى جزءاً من قصيدة لنيرودا معلّقاً في قميص الفتاة الصغيرة عند هروبها مع جدّها، كذلك عناصر مبثوثة من شعرية لوركا هنا وهناك، بألوان ساطعة من المشاعر.
ويلفت المترجم إلى أن “في عشق جيفارا” ليست رواية تاريخية، لكنها محاولة لكسر عملية “تسليع” جيفارا، بإعادة بعث أسطوريته من جديد، وإن بشكل فنيّ. يمكن القول إنها رواية عن أسطورة الحبّ، خاصة حين يكون مدمّراً، وبلا أفق أو نهاية، كما هي رواية عن سحر أو قوة الفوتوغرافيا حين تتملّك حياة امرأة، فلا ترى بديلاً عن الواقع إلا وهم الواقع!.
مؤلفة الرواية آنا مينانديس كوبية، ولدت 1970، وتعيش في المهجر الأميركيّ، لوس أنجلس، كاليفورنيا، مع والديها. تعمل صحفية في جريدة “ميامي هيرالد”. أصدرت عام 2001 مجموعة قصص “في كوبا كنتُ راعياً ألمانياً”، نالت بها جائزة أفضل كتاب من “نيويورك تايمز”. كما نشرت عدداً من قصائد النثر في الصحف الأميركية. قامت بعدة رحلات إلى الهند وأوربا وعاشت فترة في إسطنبول. ولها كتابان آخران: “الحرب السعيدة”، “وداعاً يا بلدي السعيد”. 
المؤلفة : 
وفي تقديمه لها يقول المترجم “تعتقد آنا مينانديس أن الكوبيين شعب عاطفيّ، لذلك تشيع لديهم روح السماحة، ويندر أن تراهم في حال من العنف. وترى الفضل في امتهانها حرفة الأدب يعود إلى أبيها الذي أوصاها ذات يوم بكتابة بعض من ذكرياتها عن البلد الأمّ، كوبا، حتى لا تنسى جذورها. أما عن وجهة نظرها السياسية، فتقول “حين تتكلّم عن السياسة، فثمة ثقافة: “أنا على صواب وأنت على خطأ، ويجب سجنك، وهو أمر شبيه بالطاعون”، وترى أن كاسترو عاش أطول فترة في الحكم، مع أنه أثار الكثير لمعارضته”.
ويضيف محمد عيد إبراهيم “تقدم مينانديس في كتبها صورة واضحة عن الحياة في كوبا، من وجهة نظر مهاجر طبعاً، أما عن رواية “في عشق جيفارا” فتقول إن الناس يظنّون أن البطلة هي أنا، وهو أمر يسعدها، لكنه يرعب أمها، حيث رأوا في هذا الصوت ما يمثّلهم. فلم تقصد أن تكتب حكاية رومانسية، لكنها مبحث تاريخيّ عن المثال والأحلام وللاقتراب من أهلها الحقيقيين في كوبا، ولو من بعيد”.
مقطع من الرواية :
“كلّما أكتب أتذكّر أكثر، كأن الكلمات الهائمة على الصفحة ريح تنفث غبار السنين.
سهرتُ عدداً من الليالي راقدة في الفراش أتحلّل من تبعة خطاياي، أرتّبُ ذكرياتي لتعينني في الخداع. تذكّرتُ تلك الليلة عودتي من زيارة أولاد عمي بمزرعتهم. كان كالستو ينتظرني بمزهرية ورد ويخبرني أنه ضائع من دوني. آخر تلك الليلة وهو نائم، نزلتُ إلى المطبخ لتناول كوب ماء، فلاحظتُ بصورة عائمة أن شخصاً حرّك ألبوم زفافنا حيث نضعه دائماً فوق طاولة الكتابة بالصالة. ووجدته الصباح التالي مخفياً على رفّ واطئ فأعدته.
بعد عام، حين عدتُ من رحلة أخرى شرقاً، لاحظتُ بعد حفل، وكنت أرتّب أزهاراً على الطاولة، أن ألبوم الزفاف اختفى من جديد. لم أفكّر في شيء آخر. يصعُب إدراك حياة المرء كما هي. إنها مجرد استعادة لفهم ما عرفه عقلنا من أمد، لا فهماً باطنياً للكون، بل تراكم بطيء لحقيقة أن النفس السهرانة لا قلب لديها كي تتقبّل.
أو أني أعقد الخيط المفضي إلى مبرّراتي ونحو سقوطي. في تلك الآونة بدا كالستو ظامئاً منصرفاً، كأنه اكتشف طريقة للعيش بالكلمات وحدها. تحركتُ لتقبيله فأحسستُ به موثقاً، كالمستاء من جوعي. وهكذا بدأتُ أصرف نفسي عنه. أتساءل الآن أن الناس لا يخترعون أسبابهم للخداع وراء الحقيقة. وهو ما يودي بنا حقاً إلى ذراعَي شخص آخر غامضٍ في فهمنا.
أسمعه جنبي دائماً، يبكي عزلته الشخصية التي تتحدّى ذاته المضطَهدَة عبر الفن. وأنتِ يا حبيبتي تريزا، تتفاعلين مع كلّ شيء كمحارب أعزل؛ إلهامكِ الوحيد ألا يلطّخكِ شيء. فمن أيّ شيء تحاولين تحريرَ نفسكِ؟”.
ميدل ايست أونلاين

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *