الشِّعْر والإرهاب


*أمجد ناصر

هل أدّى الاعتبار المبالغ به للشعر، عند العرب، إلى أن يكون أداة حشد للقاعدة ومنافِسَتها داعش في أيامنا الدامية هذه؟

ربّما هذا ما يقوله مقال مُطَوَّل نُشِر حديثاً في مجلّة «نيويوركر» بتوقيع المترجم روبن كروسول والناقد برنار هيكل الأميركي المختصّ بـ«داعش» وقضايا الشرق الأوسط عموماً، وهو من أصل لبناني. «إذا أردت أن تعرف الجهاديين، اقرأ شعرهم»، هذا هو عنوان المقال، ومنه يبدأ- في نظري- خطأ المقاربة. لا أعرف مدى علاقة برنار هيكل بالشعر العربي، ولكني أظن أن روبن كروسول، الذي ترجم شعراً عربياً حديثاً وروايات إلى الإنجليزية، يعرف الشعر العربي، أو يعرف ما نعدّه اليوم شعراً وما هو ليس شعراً، حتى لو اتَّخذ لبوس الشعر، ولكن معرفته وصداقته ببعض رموز الشعر العربي الحديث، لم تغلب على مساهمته في هذا المقال المطوَّل. فالمقال يبدأ بداية خاطئة، فهو يعدّ النظميات الركيكة التي يكتبها «الجهاديون»، ونموذجهم هنا «شاعرة داعش»، أحلام النصر، شعراً.
قرأت ما تيسَّر من «شعر» هذه الفتاة «الجهادية» على الإنترنت مثلما قرأه الكاتبان، فلم يسبق أن سمعت باسمها، ناهيك عن «شعرها»، رغم عملي الطويل في الصحافة الثقافية. يكفي أن أورد لكم هذه الأبيات لتدركوا أن أي مدرّس في كُتَّاب متواضع، في أي قرية عربية نائية، بإمكانه أن يكتب أفضل كثيراً من هذا الكلام الموزون والمقفَّى.. الركيك:
نحنُ يا أختاهُ نحيا … في ظلامٍ وَشرورْ
بينَ آهاتٍ وَشكوى … مثلما بحرٌ يمورْ
دينُنا أمسى غريبًا … وَبنوهُ في الهجيرْ
كلُّ مَنْ رامَ المعالي … صارَ مطلوبًا خطيرْ
سامنا بالظُّلمِ لؤمًا … كلُّ جلاَّدٍ يجورْ
قدْ غدونا بعدَ هذا … مثلَ بركانٍ يثورْ!!
***
يقول كاتبا المقال إن الشعراء العرب المعاصرين يقرأون الشعر الأجنبي ويترجمونه، والشعر الحرّ (التفعلية على ما أظن)، والشعر النثري (قصيدة النثر) هما الممارسة الشعرية المعتادة لديهم، ولكن الشعر القديم- رغم فقدانه بعض زخمه- لا يزال موجوداً، على نحو مدهش، في الساحة الشعرية العربية. ويرجعان ذلك الى كون الأخير هو المقرَّر في مناهج الدراسة العربية، وهذا صحيح بالطبع، لكن الخطأ في قولهما إنه لا يزال حياً ومتداولاً في الفضاء العام، مثالهما على ذلك مسابقة «شاعر المليون»! 
يبدو أن الكاتبين خلطا بين مسابقتين هما «شاعر المليون» و«أمير الشعراء»، فالأولى حكر على الشعر النبطي، بينما الثانية للشعر الفصيح، العمودي وما يشبهه. ولكن مسابقات كهذه ،خصوصاً الفصيحة منها، لا تعبِّر عن وجود للشعر التقليدي الذي «يدعو إلى الدهشة» في الحياة الأدبية العربية، فهو غير موجود على المستوى الإبداعي المجدّد؛ لأنَّ ما تتاجر به هذه المسابقات، وما يُنسَج على مثاله، «شعراء الجهاد» الداعشي والقاعدي، ومن لفَّ لفّهم، لم يعدّه القدماء شعراً، فكيف سيعدّه كذلك الحديثون؟ وهذه عودة إلى معركة الشعر العربي الحديث التي انقضى عليها أكثر من سبعة عقود. 
قبل كروسول وهيكل كان هناك من اهتمَّ بـ «شعر» أسامة بن لادن، ومن اهتمَّ بـ«شعر» صدام حسين. لقد سئلت من صحافة أجنبية، غير مرّة، عن رأيي في شعر المذكورين فعبَّرت عن غضبي من استمرار امتهان الغرب لنا: فكيف لا يظهر «شعرنا»، ولا يجري الاهتمام به إلا إذا كتبه ذوو الأحزمة الناسفة وقاطعو الجسور مع الذات والآخر؟ كيف لا تحظى الحياة العربية الحديثة بقليل من الاهتمام الذي يحظى به سكّان الكهوف وقاطعو الرؤوس؟ 
تعطي مجلّة مهمّة مثل «نيويوركر» حيِّزاً لـ «شاعرة داعش»، أحلام النصر، لا يمكن أن تفرد ربعه للأدب العربي الحديث مجتمعاً؛ فليس المهمّ هو «الشعر»، بل مَنْ يقوله، خصوصاً إذا كان الذي يقوله يقطع الرؤوس، ويحرق السجناء أحياء أمام الكاميرا.
____
*الدوحة

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *