كتابة لا تعرف القلق


*محمد إسماعيل زاهر

كيف يتعامل المبدع مع الكتابة وكم مرة يعدل في نصه؟ ومتى يتوقف ليغير هذه الجملة أو تلك الكلمة؟ وكيف يصوغ البناء الأدبي؟ وماذا عن رؤيته لنهاية حبكة النص؟ أسئلة كثيرة اقتربت منها إيميلي تمبل في مقال بعنوان «20 كاتباً عظيماً يتحدثون عن فن تعديل النصوص»، ترجمه محمد الضبع في مدونته اللافتة «معطف فوق سرير العالم»، حيث نعرف أن الروائي الأمريكي إرنست هيمنغواي كتب آخر صفحة في «وداعاً للسلاح» 39 مرة قبل أن يرضى عنها تماماً، وفي حوار صحفي برر ذلك برغبته في الوصول إلى الكلمات المعبرة عن النهاية بشكل صحيح. أما الروسي نابوكوف فأشار إلى أنه أعاد كتابة كل كلمة نشرها أكثر من مرة، وكانت سوزان سونتاغ لا تكتب بسهولة ويسر واعتبرت دائماً المسودات التي تخطط فيها لعملها المقبل بمثابة الأجزاء الميتة من الكتابة. 

إن معاناة البعض مع ذلك الهم، الكتابة، هو ما دفع مارك توين للسخرية من المسألة برمتها حيث قال ذات مرة معلقاً على الموضوع: استبدل كل كلمة «جدا» تكتبها بكلمة «اللعنة» وعند ذلك سوف يحذفها المحرر تلقائياً من دون الرجوع إليك، وسيكون كتابك ساعتها في أفضل صورة ممكنة.
الموضوع يأخذ أبعاداً أخرى على الساحة العربية، فعندما تطرح سؤالاً شبيهاً عن الكتابة، فلن تعثر على معاناة، بل هناك تصورات مثالية تتحدث أغلبها عن الكتابة كطقس، فهذا ينظم وقته وفق جدول معين ويمارس الكتابة حسب عادات ثابتة واظب عليها لسنوات، وهناك أيضاً فعل الكتابة الذي كان وما زال يحن المتحدثون عنه بصورة مفتعلة، يبالغون فيها أحياناً إلى زمان اعتمد فيه الجميع على الورقة والقلم، فهذا يتحدث عن نوعية الأوراق التي يستخدمها، وذاك يتطرق إلى الأقلام والأحبار، وكثيراً ما يصادفنا هذا الكلام الآن وكأن الكتابة الإلكترونية لم تخترع بعد أو أن استخدام الكمبيوتر في الكتابة سيقلل من جودة النص «الفائق» الذي ينتظره الجميع بفارغ الصبر، وثالث يشير إلى المسودات «النهائية» التي كتبها بروية ونظام قبل الشروع في قصته أو روايته، ورابع يتكلم عن المفكرة التي يحملها ويدون فيها ما يصادفه في حياته اليومية التي ربما تفيده في مشروع كتاب.
أما إعادة كتابة فصل أو نص فهي من الموضوعات التي يسكت عنها الجميع، وهناك حالة واحدة مشروعة هنا تتمثل في حدث وقع ود الكاتب إضافته قبل صدور عمله أو معلومات جديدة تكشفت له رغب في تطعيم كتابه بها، أما البحث عن الكلمات ومعاناة النهايات والصياغات فلا وجود لها عند مبدعينا، فالكتابة فعل فردي إبداعي يهبط على صاحبه فجأة كاملًا، ومن الخطأ الحديث عن معاناة أو بحث مرهق أو أصدقاء قرأوا النص، ومن العيب الإشارة إلى من ساعدنا في الكتابة، ولا وجود لوظيفة محرر النص في الساحة العربية، هي الكتابة كفعل نهائي منجز لا يعرف القلق أو التوتر مثل كثير من القضايا والظواهر في الساحة الثقافية العربية.
______
*الخليج

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *