الياباني كينزوبورو أوي: على الأدب أن يعتمد الحقيقة لإكمال المخيلة


*سيمون نصار

ربما هي من المرات القليلة جدًا، في السنوات الأخيرة، التي يغادر فيها كينزوبورو أوي بلده اليابان. الرجل الثمانيني الذي ظفر بجائزة نوبل للآداب في العام 1994. يعد إلى جانب ياسوناري كاواباتا (نوبل 1968) أحد أهم كتاب اليابان في القرن العشرين. في بداية العقد الثامن وصل كينزوبورو أوي إلى فرنسا للمشاركة في المنتدى التاسع للرواية العالمية الذي تنظمه فيلا جيليه في مدينة ليون وسط احتفالية عالمية للرواية يمثل العالم العربي فيها، وحيدًا، الروائي السعودي محمد حسن علوان عن روايته المترجمة للفرنسية حديثًا عن دار ستوك «القندس».

اللقاء مع رجل ثمانيني، فرصة طيبة، غالب الوقت. فكيف إذا كان هذا الرجل أديبًا كبيرًا ومهمًا، إلى جانب كونه يحظى بكل البريق الذي تضيفه جائزة نوبل إلى حامليها. غير أن كينزوبورو أوي، لا يستمد أهميته ككاتب وروائي من الجائزة، على أهميتها، بل لأنه الكاتب الياباني الوحيد، الذي وثق أدبيا كارثة هيروشيما وناغازاكي التي حفرت عميقًا في وجدان الثقافة اليابانية، إلى جانب تغييرها في الشخصية اليابانية بشكل عام. ففي روايته الشهيرة «ملاحظات هيروشيما 1965» دون أوي لحظات المأساة التي أصابت اليابان وانعكاساتها من خلال طبيب يروي يومياته في معالجة الضحايا. وهو بهذا، في كل ما كتبه تقريبًا، مثل دور الشاهد على عصره والتغيرات التي طرأت بعد هذه الكارثة.
في اللقاء الذي جمع كينزوبورو أوي امتلأت قاعة كلية الفنون الجميلة في ليون بالكامل، حيث بدأ فيليب فورست الروائي الفرنسي الذي تربطه علاقة شخصية بأوي تقديمه من خلال حكايته الشخصية في التعرف عليه. «مضى وقت طويل حين استضافني أوي في اليابان. الرجل الذي كنت أحلم بلقائه، صاحب كتاب – لعبة القرن 1969 – كان أكثر تواضعًا مما اعتقدت، حيث استضافني، كاتبًا شابًا من بلاد بعيدة». غير أن الحوار الذي أدارته الصحافية من جريدة «لوموند» رافائيل رورول اتسم بإظهار طرافة هذا الرجل الذي كان يتحدث الياباني وردد مرارًا (نحن اليابانيون المصلون) في إشارة طريفة منه إلى أن عمره لم يعد يسمح له سوى بالصلاة.
دخل الحوار عميقًا إلى داخل أوي. إلى لحظة البداية التي قرر أو عرف أنه سيكون كاتبًا «في ذلك الوقت عرفتُ الكثير، كما شاهدت الكثير أيضًا. كل شيء من حولنا لسنوات طويلة كتبته. لقد كتبت بسبب الخوف الذي كان ينتابني من ضياع المشاهدات دون تسجيلها. لو فكرت أربعون في المائة في ذلك الوقت بواقعية لما أصبحت كاتبًا». لقد علمت التجربة هذا الرجل الثمانيني أن «وظيفة الكاتب أن يقدم الأشياء كي لا تضيع. أن الأدب العظيم، هو الذي يكنسُ الحقيقة ويكملها ببناء يأتي عن طريق الخيال».
والحق أن أوي الذي سجل لمعاناة الشعب الياباني من خلال الأدب، سجل أيضًا معاناته الشخصية التي لا تزال معه ويعيش معها بشكل دائم. ولادة ابنه البكر هيكاري أوي بإعاقة ذهنية، واليوم، فإن الطفل الذي ولد قبل خمسين عامًا لا يزال طفلاً. لكنه طفل موهوب يؤلف الموسيقى، ويهتم به والده بشكل خاص ودقيق جدًا بحيث لا يمكن اليوم فصل حياة الأب عن الابن. «لقد فعلت الكوارث فعلها فيّ، فمن جهة الكوارث الوطنية ومن جهة أخرى الكوارث الشخصية ومشكلة ابني أهمها على الإطلاق وكان علي أن أسجل كل هذا».
المعروف عن هيكاري أوي، أنه ألف قطعة موسيقية سماها هيروشيما بداية، ثم غير اسمها إلى الفصول التي يعتقد، رغم إعاقته عقليًا وعدم اكتمال نموه، أن الفصول هي الأكثر صدقًا للتعبير عن اليابان. بينما يقول الأب، أمام جمهور يلتقيه لأول مرة «إن الحياة قرب ابني، هي التي جعلت من كاتبًا جيدًا، أحيانًا أسأل هل هذا حقيقي، هل هذا الطفل هو طفلي أنا، أن الشكوك هي التي تفرد مكانًا واسعًا للحقيقة في حياتها، وهي الحقيقة التي سجلتها كما ينبغي أن تسجل وتحفظ. اليوم لا أدري كم سأعيش وإلى متى سأبقى أكتب، لكني مع كل هذا أنتظر الحقيقة».
______
*الشرق الأوسط

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *