ميلاد فيلم هندي من رحم الحكمة.. الحب.. والتسامح


نجوى الزهار*

( ثقافات )


ان بحر الايمان

كان ذات مرة أيضا ممتلئا ويحيط بشاطئ الأرض

مستلقيا كطيات من حزام مضيء ملتف

ولكنني الآن أستمع فقط

لزئيره الكئيب الطويل المرتد

وهو يتراجع ضد نسمة ريح الليل

نحو أطراف العالم الشاسعة الموحشة

والواحة العارية

ماثيو ارنولد . شاطئ دوفر

1867 م



قصيدة النفس

وكان أن أمتعنا شيخنا الجليل بالتعرف على قصيدة النفس للشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن بعد الله بن سينا . تلك القصيدة التي اعتنى بها العلماء وضعوا لها شروحات كثيرة .

هبطت اليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنـــــــــع

محجوبة عن كل مقلة عــارف وهي التي سفرت ولم تتبرقع



ولأن للمقادير مواعيد منتقاه ، كان أن تزامن هذا الحديث مع حديث آخر عن الفلم الهندي الرائع P.K. .

ذاك الفلم السينمائي الي استطاع أن يمتلك مفتاحا سحريا لذاك الثالوث : الألوهة الكون والانسان ، وعبر مجريات الفلم كنا نستعيد مذاق أر واحنا التي هبطت من المحل الأرفع .

ولأن الهند هي الهند ، هي التي امتلكت المعرفة الكونية الموجودة في مخطوطات الفيدا.

تلك المعرفة الكونية التي ساهمت وما تزال في الولوج لعالم الروح الجميل .

عبر النظرة ا لكلية لكل مظاهر الوجود .

فكان ميلاد فلم P.K. من رحم الحكمة الحب والتسامح .

الفلم يحكي تجربة زائر من الفضاء الخارجي لكوكب الأرض . تلك النقطة الزرقاء الباهتة . والهند التي أعطت رموزا لكل شيء. كانت زيارة P.K. اشارة حيوية لنا بأننا نحن أيضا كما ابتعد هو عن بيته قد ابتعدنا عن منازلنا الحقيقية . وهو عبر مشواره بين سؤال وجواب عبر كل مشهد وحوار كان يضع لنا الاشارات المرورية لطريق الروح . نحن الين هبطنا في المكان الأرفع .

وكما ذكرت بطلة الفلم ، ان القصيدة هي اختصار لقصة طويلة . كان P.K.

يتدفق مثل نهر عظيم . من ذاك النهر كل ذرة مياه لها طاقتها ، فهي تعبر عن معاناة الانسانية في وجود من امتهن تجارة الدين واستغل بساطة البسطاء فأضاعوا نكهة وجودهم الروحي .

وعبر مشاهد أخرى يذكرنا P.K. بسحر اليدين التي باستطاعتها أن تنقل كل المشاعر والأفكار . انها ليست خاصية سكان الفضاء . انما حاول مجددا تذكيرنا أيضا بحقيقتنا . فعندما توضع اليدان على القلب تتفتح زهور القلب ، وعندما ترسو يدٌ على أكتافنا نسمع أنشودة الأمان والاستسلام .

ألم أقل لكم : لقد أرغمنا جميعا على نسيان من نحن ؟ وأنه باستطاعتنا أن نقول الكثير الكثير بدون عبء الكلمات وليكون لتواصلنا طعم الصدق والأمانة .

من مشهد الفرح الفرحالفرح . قال لزوجته في عيدها: في يوم عيدك أعطي للفرح فرصة . والفرح لا يعني اننا نعيش حياة بلا التزامات مشاكل . الفرح هو طاقتنا المتجددة . الفرح هو طبيعتنا الحقيقية .

ففي الرقص والغناء نستطيع استعادة الحيوية والنشاط . هكذا قال P.K.

في متوالية شعر من المشاهد الجميلة نخطو خطوة وراء خطوة في طريق العودة لمنازلنا الروحية .

من منا في طفولته لم يستلق على عشب أخضر وينظر للسماء هيبة وخضوعا يراقب النجوم في رقصتها الكونية .

من منا لم يحاول أن يعد النجوم نجمة وراء نجمة الى أن يلفه ثوب النوم .

من منا لم يقصد بالسؤال : أين يسكن الله ؟ . هل نستطيع أن نراه ؟ يا ليته يكلمنا .

من منا لم يكن الجواب له همسا أو صراخا بأن عليه عدم الاقتراب من تلك الاسئلة والا ….

تلك والا… عصا الخوف . ذاك السلاح الذي جعل P.K. يقترب من الفهم لعالمنا أكثر وأكثر ، وأن الخوف هو الي جعل المسافة لمن استغل الدين أكبر وأكبر .

أمسك P.K. بمفتاح واحد . استطاع أن يفتح كل الأبواب الموصدة .

ثم أمسك بمفتاح آخر ، فابتعدت مفاهيم الاختلاف فيما بيننا .

لكي نبدأ بالتعرف على أقنعتنا التي اخترعناها ثم نبدأ بنزعها الواحد تلو الآخر . عندئذ نكتشف ما قال السهروردي العظيم :

لا أرى نفسي الا أنت واعتقادي أنكم أنتم أنا

وأفاد شيخنا الجليل أي مشهد سواء أكان شعرا قصة فنا او فلما يدعوك للتواصل معه أكثر من مرة ويجعل قلبك يرتجف غبطة واتساعا وايمانا هو نص فيه عبق الكرم الالهي .

أرجوكم شاهدوا فلم P.K.

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *