البحث عن الهوية الأفريقية



*آمال الديب

خاص- ( ثقافات )

على هامش ملتقى القاهرة الدولي لتفاعل الثقافات الأفريقية في دورته الثانية بعنوان “الهوية في الآداب والفنون الأفريقية”، والذي انعقد في الأول من يونيو الجاري، لمدة ثلاثة أيام، أصدر المجلس الأعلى للثقافة عددًا من الكتب المهمة، ومنها:
أبو زيد في برنو (أربع حكايات عنه بعربية الشوا)، نشرها: ج. ر. باترسون، وقدم لنشرها: هـ. ر. بالمر، وتحرير: عبد الحميد حواس.
ويحتوي هذا الكتاب على أربع حكايات من السيرة الهلالية التي انتقلت إلى عربية الشوا بعد فتح مصر وانتقال قبائل عربية كثيرة إليها، ثم هجرة بعض هذه الفروع إلى شمال أفريقيا حتى نهر السنغال، ونحو شرق أفريقيا وامتدت حتى نهر السنغال، وغلب العرب في غير إقليم، وأسهموا في قيام ممالك محلية متعددة، لعل أوسعها مساحة وأطولها عمرا إمبراطورية “كانم-برنو” التي دامت منذ القرن الثالث عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. وهذا يجعلنا نفهم وجود لهجة عربية منطوقة في تلك المناطق، وانتشار إحدى القبائل التي تنتسب إلى أصول عربية، وهذه القبيلة هي قبيلة الشوا، وهذه القبيلة لا تعد من القبائل العربية فقط، وإنما تنتسب إلى بني هلال، وإلى أبي زيد تحديدًا.
وهذا يفسر انتشار حكايات عن أبي زيد الهلالي تروى بلهجة عربية تنتمي إليها، ويسبق تلك الحكايات الأربع مقدمتين إحداهما لبالمر، والأخرى لباترسون، أولاهما مقدمة تاريخية، عن بني هلال وأبي زيد تحديدًا وأحوال المنطقة، وتقسيم ابن خلدون للبربر الأفارقة إلى قبائل وفروع، ومنهم زناته قبيلة أبي زيد.
وأما مقدمة باترسون فهي عن بني هلال “أما بالنسبة لبني هلال وعرب الشوا الآخرين الذين يعرفونها، فإنهم ينجذبون إليها بسبب صعوباتها المُقدَّرة. ويرد كل الشعر بها عربية ذات أسلوب مثير التقطيع، يحوي الكثير من التلاعب بالألفاظ”.
وتأتي نصوص الحكايات الأربع في ترتيب صفحات النصوص أن تكون في مقابل كل صفحة بلهجة الشوا الصفحة المحررة عنها بالعربية الجارية.
ومن تلك الإصدارات كتاب بعنوان “البحث عن الهوية الأفريقية في مخطوطات بالحرف العربي (العجمي).. وهو نماذج من كتاب “تراث مخطوطات اللغة الأفريقية بالحرف العربي في لغات: الملجاشية- المانوري- اليوروبا”. تحرير وتقديم: حلمي شعراوي.
والكتاب جزأين، أحدهما باللغة العربية، والآخر بالإنجليزية، ويتطرق الكتاب إلى فكرة “الكتابة”، وكيف انها تعني بداية السجل الحضاري لأي شعب في التاريخ، وقد حاول التاريخ الكولونيالي للقارة الأفريقية نفي الحضور الأفريقي في هذا التاريخ إلا منذ كتبت شعوب القارة بالحرف اللاتيني.
ومحاولة تقديم تلك النماذج من اللغات الأفريقي باستخدام الخط العربي تؤكد أن بعض الآثار الثقافية قبل المخطوطات كشفت الكثير عن الحضور التاريخي المبكر للشعوب الأفريقية، وأنها تكتب حديثًا فقط بالحرف اللاتيني، سجل بعضها حضوره بملاحم شعبية شهيرة أو مخطوطات بالحرف العربي.
جمع هذا الكتاب مخطوطات من ثلاث لغات من أنحاء القارة الأفريقية ضمن مشروع من مجلدين (صدر أحدهما) لنماذج مخطوطات من ست عشرة لغة أفريقية.
ورغم وفرة كتب الرحالة العرب في أفريقيا وعن أفريقيا، وكتب التراث الأفريقي المكتوب بالعربية، وكذلك ما كتبه الرحالة الأوروبيون أنفسهم، بما أفادت منه جميعًا الإدارة الاستعمارية في التاريخ الأفريقي الحديث، للتعرف على واقع حياة هذه الشعوب والمسالك إليها، فإن القليلين اهتموا بما سجله الأفريقيون عن أنفسهم بأنفسهم منذ عرفوا الكتابة في فترات من تاريخهم، وأحدثها فترة التفاعل مع الثقافة العربية ولغتها منذ عدة قرون فكان تراث المخطوط الأفريقي الذي نحن بصدده بالحرف العربي، أو ما سمي بـ”العجمي”.
وهذا الكتاب هو ناتج اتفاق الكاتب وتعاونه خلال فترة زمنية تمتد من بدايات 2003، مع المعهد الثقافي الأفريقي العربي في باماكو، والتابع للاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، استجابة لما جاء في اتفاقية إقامة المعهد ولوائحه منذ 1985 حتى قيامه الفعلي في بداية 2002، مؤكدًا الاهتمام بتفاعل التراث الأفريقي والعربي، لغةً وأدبًا وفنًا وعلومًا اجتماعية وطبيعية، وذلك لدعم عملية التعاون العربي الأفريقي الجارية.
ويقوم الكتاب على أساس تقديم بعض المخطوطات بعض صور المخطوطات الأفريقية المدونة بالخط العربي، والمعروفة تاريخيًا وفي الواقع الأفريقي الحالي باسم “العجمي”، وذلك لوضع نماذج من الإنتاج الثقافي لبعض الشعوب الأفريقية من أنحاء مختلفة من القارة الأفريقية أمام الباحثين، سواء كانت تلك النماذج سابقة على الوجود الاستعماري أو متآنية مع ظهوره، بعضها ذو طابع شعبي لكنه مدون، مثل قصة جماعة “الأنتيمورو” في مدغشقر، أو قصة شعب الهوسا، وبعضها نصوص لرسائل أو حوارات مع الحكام وفتاوى شرعية ذات طابع اجتماعي. وقد حرص المحرر على أن ترد هذه النصوص المخطوطة عن طريق شخصيات أكاديمية معروفة في بلادها لتحمل مسؤولية مصداقية النص ومصدره كما تم تسجيله. كما حرص على أن يثوك المصدر بنفسه أو عن طريقه بنقل المخطوط إلى الحرف اللاتيني وترجمته إلى اللغة الأوروبية السائدة، فرنسية أو إنجليزية. وفي حالات نادرة توفرت نصوص هامة من كتب علمية معتمدة مثل كتاب “مونتي” عن التراث الملاجاشي العربي، أو كتاب “راتراي” عن فلكلور الهوسا، أو نص “الانكشاف” الشهير في السواحيلية، وفي هذه الحالة كان الكتاب متضمنًا النص بالحرف اللاتيني وترجمته الفرنسية والإنجليزية، وترجمه المحرر في الكتاب الذي بين أيدينا إلى العربية.

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *