علي العامري يجمع اللون والشعر في «مرايا عميقة»




*آية الخوالدة

35 لوحة تزينت بوجوه النساء التي تحمل في نظراتها الكثير من المشاعر الهادئة والحزينة أحيانا، فبعضهن ذوات عيون فارغة اتخذن من السواد غطاء، وبعضهن الآخر تزين بألوان الربيع والشعر الكستنائي، في معرضه الأول «مرايا عميقة» للشاعر الأردني علي العامري. 

المعرض الذي افتتحته الأميرة عالية الطباع في جاليري رؤى في العاصمة الأردنية عمان، شهد حضورا لافتا من قبل الفنانين والتشكيليين الأردنيين والعرب، نظرا لكون المعرض التشكيلي الأول لكاتب عُرف بالشعر. 
عن معرضه يقول العامري «ركزت في معرضي الشخصي الأول «مرايا عميقة» على موضوع الوجه الإنساني، وتحديداً وجه المرأة، كونه نبعاً تعبيرياً متجدداً ولا ينضب، وارتبط ذلك بالفراسة التي عرفها العرب قديماً. أرى الوجه ترجمان الخفاء، من خلاله أحاول رصد الضوء المستتر والعتمة المتخفية في أطلس الأعماق الإنسانية. وربما يمكن تفسير شغفي بالمطارات بتأمل الوجوه المتعددة الأشكال والحالات أيضاً، إذ يعد المطار عتبة بين مكانين، وخطّاً بين مستويين أرضي وسماوي، يجمع وجوهاً من مختلف دول العالم». 
واستخدم الفنان في لوحاته قماشا وورقا ومواد متعددة، من بينها ألوان أكريليك وأحبار وحنّاء خاصة من اليمن. وكان التجريب في المادة والتقنية يشكل متعة، على تماس مع الأفكار والتأملات، بحيث يذوب الوقت في مسامات القماش والورق. مضيفا «تبدو لي اللوحة كائناً حيّاً، أحاورها وتحاورني. إذ أنها تبدأ بخطوط ونقاط لونية غائمة، مثلما تبدأ القصيدة بسطر غائم في الأبجدية. وبين النصين البصري والشعري خيط سريّ، مثل عروق فضة في حجر واحد». 
في حديثه لـ«القدس العربي»، بين العامري أن الألوان المستخدمة في اللوحات تعكس التعبير الداخلي للإنسان، إذ يعتبر الوجه خزانا من الأحاسيس والمشاعر، كشاف الدواخل حتى لو مثل الإنسان تمثيلا، الملامح تكشف زيف أو صدق هذه التعابير. 
وعن الحزن الظاهر في هذه الوجوه النسائية، يقول «كل مشاهد وطريقة تفاعله مع اللوحة وكيف يراها. كما أن العيون المُفرغة والسوداء دليل عنفوان وقوة داخلية، تسحر المشاهد وتجذبه سريعا، خاصة اللوحة الرئيسية الكبيرة». 
ولاحظ المشاهد لهذه اللوحات وجود بعض الكلمات على أسفل اللوحة، قال عنها العامري إنها جمل شعرية وليدة لحظة رسم اللوحة، توأمة ما بين الفن التشكيلي والشعر. لذلك سيكرر العامري التجربة في عمله المقبل بتقديم مجموعة شعرية ومجموعة من اللوحات في الثيمة نفسها. جملة شعرية ولونية في آن وليدة اللحظة. 
وفي تقديمه للمعرض، كتب الشاعر يوسف عبد العزيز «نساء علي العامري» قائلا: لعلّ ذهاب الفنّان علي العامري، باتّجاه رسم وجه المرأة، هو محاولةٌ منه للقبض على أسرار الأنوثة الباذخة والمحتَجبة. ولأنّ الوجه هو مرآة للجسد والرّوح معاً، فقد هيّأ عليّ فرشاته لتصطاد ظلال تلك الفتنة المعرِّشة، الحائمة في سفوح تلك الأرض الخرافية، أرض المرأة. 
ما المرأة؟ ما طبيعة هذا الكيان الباذخ القائم أمامنا، والمحمول على مياه الحلم؟ من أيّ طينٍ سماوي تمّ عجنه؟ وما وراءه من أسرار؟ بالكثير من الحَيرة والارتباك يدخل علي تلك الأرض الممسوسة، وينتخب عدداً من الوجوه ليرسمها، علّها تكون كافية، ليلخّص من خلالها قارّة عظيمة اسمها قارّة النساء. ثمّة فوارق بين وجه وآخر، اختلافات في الخطوط والخَلَجات، ولكنّ هناك ما يجمعها ويوحّد بينها، ويحيلُها إلى ينبوع الأنوثة الفائض المتعدّد. مثل طفل يتعثّر علي بما هو مدهش وغريب، ويشرع فرشاته ليقبض ولو على قبس ضئيل من ذلك النّور البعيد الذي يتلألأ. في غمرة بحثه المحموم عن معنى الأنوثة، يكتشف علي بمزيد من اللوعة، أنّه في الواقع لا يقف أمام وجه حقيقي، بقدر ما يقف أمام قناع! كلّ وجه وله قناعه إذن! ووراء ذلك القناع يكمن كلّ ذلك البهتان الجميل. غير أن الحيرة تتواصل، فهو ما أن يقشّر ذلك القناع حتى يجد قناعاً آخر يختبئ خلفه. قناع وراء قناع وراء قناع! والمعنى الذي يبحث عنه غائرٌ في تلافيف تلك الأقنعة. لكأنّ الخطوط والألوان تضلّله، وهو إذ يحاول الوصول إلى المعنى يصل إلى أرض السّراب. ولعلّ أرض السّراب تلك هي أرض الفنّ.في الوجوه التي يرسمها علي، أو في هذه الأقنعة التي نقف أمامها، نجد باستمرار تلك العيون الواسعة التي تتأمّل العالم، لكأنّها تقرأ طوالعها، وتستقرئ ما ينتظرها من مفاجآت. 
ولكنّها في الوقت نفسه، تبدو وكأنّها تتأمّل داخلها الهائج المحتدم. وهكذا فهي تنظر إلى ذلك الدّاخل، وتتفرّس ملكوتها المكنون، كأنها تحرسه من شرور الخارج، وأحابيله الماكرة. بدأب يشتغل علي على نسائه، بخفّة يَدٍ يطيّر فرشاته في فضاء اللوحات، لتطال ارتجافات الأعماق والأحلام المخبوءة التي تهجس بها وجوه النّساء. لقد سهر وشقي من أجل أن يقدّمهنّ إلى المشاهد على هذه الصّورة التي تبدو عفويّةً وبسيطة، كأنّهنّ لسن نساء لوحات وأساطير، بقدر ما هنّ نساء حقيقيّات من لحم ودم. ولأنّ الجمال يشيخ ويتهدّم، فقد لجأ علي إلى فكرة اللوحة المنحوتة. لقد جسّد عليّ وجوه النّساء التي رسمها على هيئة منحوتات، ولكنها منحوتات لا تزال تتنفّس وتحلم وتواصل الحياة.
ولد علي العامري في قرية وقّاص المحاذية لنهر الأردن، عام 1962، شارك في عدد من المعارض الجماعية، في الإمارات والكويت ومصر والولايات المتحدة الأمريكية. كما شارك في ملتقيات للفن التشكيلي، منها ملتقى باتراس التشكيلي في اليونان. وهو مدير ملتقى دبي التشكيلي الدولي منذ عام 2013. ويعمل رئيساً لقسم الثقافة والفنون في جريدة «الإمارات اليوم» في دبي. شارك في مهرجانات شعرية في الأردن واليمن والعراق وسورية والإمارات وفلسطين وفرنسا وإسبانيا وكوستاريكا. وصدرت له ثلاث مجموعات شعرية.
________
*القدس العربي

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *