كتّاب يمنيون يتحدثون عن موقف الفن من الواقع


*محيي الدين جرمة

ثمة الكثير من شواهد وشوارد وأسئلة الثقافة في اليمن لم تطرح وتناقش في حلقات عمل خاصة ونوعية بالثقافة وبالخصوص ما يتعلق منها بموقف الفن والإبداع الروائي والصحافة من الإنسان وواقع حياة لا مستقرة في ظل تناقض معادلة السياسة واحتراب المصالح وتراجيديا الحروب والأزمات. «شرفات» ارادت أن تضيء معبرا من الأسئلة لمعرفة رؤى مثقفين يمنيين وكتابا تتعدد وتتباين رؤاهم وتجاربهم في اختلافها وأسلوبيتها وتفاوت زاوية رأي ووجهات نظر بعضها عند سؤالنا عددا من الأدباء اليمنيين والأديبات.

ثمة أدباء بادروا في الإجابة. في حين أعتذرن أديبات روائيات وأكاديميات أو بمعنى آخر تنصلن عن الإجابة والكتابة بذرائع شتى. حول طبيعة المأساة اليمنية وشواهدها المحزنة اليوم لبلاغة الجرح. و«غشم» القوة بأبعادها الداخلية والخارجية. كما في ظل غاب حتى أدنى مستوى أخلاقي لأطراف الصراع فيما يتعلق بقضية أساسية تمس عصب الاستقرار من عدمه كلما اختلت أولوية توافر الخدمات العامة لمجتمع المواطنين حتى الانعدام. لتنعكس آثارها في شل حركة الحياة والمجتمع وتعطل حركة العلاقات والعمل في المدن لتخلو الشوارع لعوامل النزوح من المدن إلى الريف الآمن يوما عن يوم أو كما يبدو لإخلاء الساحة للمتحاربين.

هنا يتوارد استفهام: من يكتب الرواية هل الواقع أم واقع الرواية، هل الفن أم السياسة، الأحداث أم هامش تراجيديا الإنسان الذي لا يكاد يشعر بألمه أحد حين ترديه غارات أو رواجع مضادات وكما في نزوحه أيضا فلا تأويه حتى فردة حلم ودفء ظل سوى شظف من خيام الحزن وترك الموطن وغربة الجهة وحيث تغيب الأخلاق في الصراعات دائما. وفي سياق الرواية والواقع راهنا في اليمن.. بين مأساة ما يحدث من حرب وموقف ورؤية الكاتب أو موقف النص مما يحدث.. وهل يتطلب أن يكون الموقف سياسيا في الأدب أم فنيا في سياق النص وعلاقة الأديب أو السارد باللغة وموضوعها في انعكاساته واقعا :
الفارق بين الصحافة والرواية
هناك فارق بين الصحفي الذي يكتب تقارير يومية، وبين الروائي الذي يُعايش الأحداث ويتركها تترسب في اللاوعي. هكذا يبدأ الروائي اليمني المعروف وجدي الأهدل حديثه ثم يكمل: «كتابة الرواية تحتاج إلى سنوات، وإذا كانت عن حدث تاريخي، فإنه من المفترض وجود مسافة زمنية تفصل عملية الكتابة عن تاريخ وقوع الحدث.. الكتابة الصحفية سريعة وسطحية بسبب ضيق الوقت، بينما الكتابة الروائية بطيئة ويتوفر لها الوقت الكافي للتعمق في الحدث وإبرازه من مختلف الوجوه وزوايا الرؤية. وعلى سبيل المثال فإن جلاء الاستعمار البريطاني عن عدن قد حدث في عام 1968، وبعد مرور أكثر من أربعين عاماً، دخلت الرواية اليمنية إلى هذه المساحة، فظهرت رواية «بخور عدني» لعلي المقري عام 2014، ورواية «ستيمر بوينت» لأحمد زين في عام 2015. في الحروب هناك فعلاً ماكينة إعلامية، لكن من الخطأ التصور أن بإمكان الفن الروائي مواكبة ما يحدث.. جوهر فن الرواية لا يتفق مع هذه الآنية. وأي قارئ جيد للرواية سوف يكتشف أن سحرها الحقيقي نابع من ارتفاعها عن الوقتي والآني وبلوغها قريباً من الأبدي والخالد».

شرخ هائل سيظهر في الكتابة الروائية اليمنية القادمة
الروائي سمير عبد الفتاح يرى من وجهة نظره كسارد أن الرواية فن يحتاج الى وقت طويل نسبيا للظهور، عكس فنون أخرى مرتبطة باللحظة والآنية، لذا أن يظهر الواقع (الآن) في اليمن ضمن متن رواية أمر صعب نسبياً ونحتاج لوقت حتى تظهر رواية تتحدث عما (كان) يجري الآن. سواءً أكانت الرواية في سياق محاكمة لما حدث، او إظهاره كما حدث دون التحيز لأي طرف. لكن في سياق الآنية نستطيع الجزم ان هناك شرخ هائل سيؤثر وسيظهر بشكل ما في الكتابات الروائية اليمنية القادمة.
الآن لغة المجنزرات لا الأدب.
القاص المترجم محمد عثمان اكتفى بتعبير القول: «إن من تتكلم الآن هي لغة الدبابات والمجنزرات وليس الأدب او السرد فهذه الأخيرة ليس لديها في رأيي ما تقوله حول كل هذا الجنون»
ندرة يتسمون بالعقل النقدي
يرى الكاتب والناقد اليمني رياض حمادي أن يكون المرء روائياً هو نوع من المقاومة والتمرد، وقيمة الأعمال الخالدة في تضمنها مواقف من الحياة وعناصرها السياسية والدينية والفلسفية. لكن ليس علينا مسائلة مؤلفها وفقاً لها أو البحث عن مواقفه السياسية أو الدينية في أعماله الفنية أو الأدبية بل من خلال نشاطه في واقعه العام. ونكبة أي أمة ليس في خلوها من المثقفين بل في غياب المثقف العضوي صاحب المشروع النقدي والأخلاقي لتغيير المجتمع. والوضع الراهن في اليمن يتكشف عن أغلبية ينطبق عليها قول يوسا: «يمكن للمرء أن يكون كاتباً كبيراً ومجرد رعديد في المسائل السياسية».
يردف حمادي قائلا :قسم موالٍ للسلطة لدوافع أيديولوجية أو لمكاسب شخصية.وقسم كبير صامت إما خوفاً من سلطة أو طمعاً فيها أو لأنه يعيش في برج عاجي. وقلة نادرة يتسمون بالموضوعية والعقلية النقدية وإن كانوا لا يمارسون دور المثقف العضوي الذي يعيش هموم عصره ويرتبط بقضايا أمته.
التجديد الأدبي سيكون في الرواية
حسين الوادعي الكاتب اليمني وفيما يسبر «فينومينولوجيا» غور الظاهرة اليمنية بسماتها وأحداثها وعلاقتها بالأدب وغيره من الأجناس يرى من زاوية أخرى: أن الكتابة الابداعية عن الأحداث في حياة الشعوب تحتاج الى مسافة ابداعية للنفاذ من السطح الى العمق فالأحداث الكبرى لا تكتمل بين يوم وليلة وإنما تأخذ سنوات أحيانا لتأخذ صورتها النهائية.
قد يكون الواقع المتقلب والساخن كما يجده الوادعي»مادة مغرية للمبدع ليكتب.لكن حين يكتب المبدع والحدث لا زال في منتصفة لا يتجاوز العمل الابداعي قشرة الاحداث. كما ان المبدع غالبا ما يكون متورطا في الحدث مؤيدا كان او معارضا ولم يستطع بعد اتخاذ مسافة ابداعية موضوعية تمكنه من التقييم الفني الحقيقي للحدث»
شاهدنا كما يقول مثلا كيف كنا مستعجلين في تقييمنا للربيع العربي ومآلاته وان الاعمال الادبية التي تسرعت بتسجيل الحدث مبكرا في 2010 او 2011 لم تقدم سوى صورة ساذجة لحدث ضخم آلت نتائجه الى مفاجآت لم نتوقعها حتى في أسوأ كوابيسنا .
وللموضوعية رؤية في الوعي النقدي الذي تتسم به مقاربات الوادعي النقدية وكتاباته كما نألفها إذ يرى «ان الموضوعية نقطة انطلاق مهمة للوصول الى ذاتية العمل الفني. والموضوعية لا تكون ممكنة الا حين يجد المبدع نفسها قادرا على رؤية الحدث من الخارج لا من الداخل، وتقييمه كأديب لا كمواطن او كمتورط في «ويعرج برؤية الكاتب والأديب الفاحص في ارشيف التاريخ الحديث وتعاقباته في الحالة اليمنية والعربية قائلا: لو عدنا الى هزيمة 1967 سنجد أنه لم يكن ممكنا الكتابة عنها بشكل ابداعي الا بعد اكثر من سنه عندما خرج سعد الله ونوس بمسرحية» حفلة سمر من اجل 5 حزيران» وبدا نجيب محفوظ بكتابة روايات «الكرنك» وثرثرة فوق النيل» لكن الأحداث الحالية لم تكتمل بسرعة اكتمال هزيمة 1967 التي كانت لها نقطة نهاية واضحة انتهت باحتلال إسرائيل أراضي 3 بلدان عربية. اما الاحداث الحالية فهي اشبة بكرة ثلج تتدحرج من الاعلى وتجرف معها تحولات عميقة لم تكن في الحسبان.
محطة تأمل إذا في موقف الأدب والفن وسرد الواقع والفنان وعلاقاته بحدث أو مأساة تحدث في بيئته وتنتج جراءها قطائع ودمارا في حياة الأرض والإنسان.. نتذكر أيضا – والحديث لحسين الوادعي» ان الأحداث الكبرى كانت تقود الى تجديدات في الشكل الأدبي وليس في المضمون فقط. الأدب الحديث كان رد الفعل الأدبي للثورات والتحولات التي شهدها الوطن العربي منذ سقوط نظام الخلافة ونهاية الحرب العالمية الأولى. ومن الواضح ان التحولات الجديدة صارت تتطلب تجديدا ضخما في الأشكال الأدبية وليس في المضمون فحسب. وبما ان الرواية اصبحت الفن العربي الاكثر انتشارا في السنوات الأخيرة فأتوقع ان التجديد الأدبي سيكون بشكل أساسي في الرواية العربية وأشكالها وتقنياتها مثلما كان التجديد الأدبي في بداية القرن العشرين متمحورا حول الشعر وأشكاله وتقنياته.
_______
*جريدة “عُمان”

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *