هل انتقمت «كتارا» لروائيين تجاهلتهم «البوكر»؟


*عبده وازن
شاعت أسماء الفائزين بجائزة كتارا قبل نحو أسبوع من إعلانها رسمياً، وبدا إعلانها الرسمي مساء(الأربعاء) في الدوحة تأكيداً لها، وهي بدت صحيحة تماماً وكأنّها ليست في خانة الشائعات. ولعل هذا «التسريب» الإعلامي يعدّ أول مأخذ يمكن أن يسجل ضد الجائزة في انطلاقتها الأولى. وهو يدل على سوء في التنظيم يجب تحاشيه لاحقاً، خصوصاً أن التسريبات كانت دقيقة وصائبة وليست مجرد توقعات كما يحصل في جوّ الجوائز عادة.
وهذا أيضاً ما أفقد النتائج طابع المفاجأة، على خلاف ما سعت إليه إدارة الجائزة. غير أن النتائج لم تخلُ من مفاجآت تمثلت في بضعة أسماء فازت في لائحة الروايات المطبوعة ولائحة الروايات المخطوطة، وهي تنتمي إلى أجيال مختلفة كل الاختلاف، وإلى أعمار متفاوتة جداً. في اللائحة الأولى مثلاً حلّت رواية الكاتبة البحرينية الشابة منيرة سوار «جارية» وهي إحدى الروايات التي أنجزت في إطار محترف الكاتبة اللبنانية نجوى بركات للكتابة الروائية الذي كان تمّ عام 2014 في البحرين وتولّت نشرها دار الآداب

إذاً رواية خارجة للتو من «المختبر» تضاهي في مرتبة الفوز رواية «مملكة الفراشة» للجزائري واسيني الأعرج (60 سنة) ورواية «أداجيو» للمصري إبراهيم عبد المجيد (68 سنة) ورواية «366» للسوداني أمير تاج السر(55 سنة). هؤلاء الثلاثة هم من المكرسين على رغم إعراض جائزة البوكر العربية عنهم أو تجاهلهم وحرمان الأعرج وعبد المجيد مثلاً من دخول لوائحها القصيرة على مدى سنوات. وبدا فوزهم قصداً أو عن غير قصد، أشبه برد اعتبار «كتارا» لهم وتذكير بموقعهم المتقدم في المشهد الروائي العربي. بل لعل «كتارا» بدت وكأنها تنتقم لهم ليس ضد البوكر العربية وإنما من عدم فوزهم، وهي وجدت في أسمائهم «دعماً» شرعياً لانطلاقتها الأولى وتكريساً لها في سباقها غير المعلن وغير المقصود مع البوكر. وعرفت الجائزة كيف تقابل هذه الأسماء المعروفة التي اختارتها بأسماء أخرى غير معروفة لكنها موهوبة ويمكن الرهان عليها، ولو أن بعضها تخطّى عمر الشباب. ومن هذه الأسماء العراقية ناصرة السعدون صاحبة رواية «دوامة الرحيل» التي تقارب السبعين والتي لا تزال شبه مجهولة عربياً وهي تكتب بالفرنسية أيضاً ولها رواية صدرت عام 2003 وعنوانها «أحببتك طيفاً».
أما لائحة المخطوطات الفائزة وهي الأشد التباساً وإشكالاً، فضمّت اسم الروائية العراقية ميسلون هادي التي تخطّت الستين وهي من المفترض أن تكون بين الفائزين في اللائحة الأولى وليس في لائحة المخطوطات التي ضمّت الكثيرين من المبتدئين والهواة اللاهثين وراء المبلغ المالي للجائزة، والتي بلغ عدد المتقدمين إليها 475 وهو رقم غير متوقع وقد يكون غير واقعي في حجمه، ويزيد من غرابة عدد الروايات المطبوعة الذي بلغ 236 رواية ومعظمها صدر عام 2014 ما خلا قلة تنتمي إلى العام 2013. وهنا لا بد من طرح سؤال: هل تعني هذه الأرقام أن الرواية العربية مزدهرة؟ لا جواب شافياً، لكنّ التراكم في العدد لا يعني البتة ازدهاراً في النوع، ومن يرافق الحركة الروائية يدرك أن الأعمال الفريدة والمهمة هي في حكم النادرة. حتى الأعمال المتوسطة هي قليلة أيضاً وسط هذا «الطوفان» الروائي الذي يغزو المكتبات والذي لا تنثني دور النشر عن تغذيته. وكم من روايات تصدر لا توزّع ولا تخرج إلى الضوء ولا تنال أدنى اهتمام إعلامي.

711 رواية هي حصيلة المتقدمين إلى جائزة كتارا: هل هذه ظاهرة سليمة؟ كيف ولد هؤلاء الروائيون وأين ومتى؟ ليت لجنة «كتارا» تكشف أسرار هذه المخطوطات وتتيح للنقاد والصحافيين أن يتناولوا هذه الظاهرة عن كثب ويجروا تحقيقاً حول المخطوطات مع إحصاء للأسماء والبلدان والأجيال. هذا من باب التمني. ويجب انتظار صدور الروايات المخطوطة حتى يتمكن النقاد والقراء من تكوين فكرة عن هذه الظاهرة. هل المخطوطات الفائزة هي روايات مهمة؟ كيف تمّ اختيارها؟

كان المشرف العام على جائزة «كتارا» الكاتب القطري خالد السيد أوضح سابقاً أن آلية التحكيم تخضع لثلاث مراحل وثلاث لجان، تتولى بالتتالي أعمال الفرز ثم التحكيم. واللجنة الأولى التي تتولى الفرز الأول يجب أن تضم تسعة أعضاء، ولكن وفق ما ورد في الصحافة ضمّت هذه اللجنة أربعة هم: محمد لطفي اليوسفي، محمد الشحات، عبدالرحمن بوعلي، عماد عبد اللطيف. أربعة إذاً كان عليهم مبدئياً أن يقرأوا 711 رواية بين مخطوطة ومطبوعة خلال بضعة أشهر. تُرى هل تمكّن هؤلاء الأربعة أن يقرأوا هذه الروايات ويفرزوها ويغربلوها، أم أن العمل تمّ كما اتفق له أن يتمّ؟ تُقرأ بضع صفحات ثم يصدر الحكم على الرواية. أما اللجنة النهائية فضمّت كما قيل: سعيد يقطين، معجب العدواني، عائشة البرمكي، زهور كرام ومحمد مصطفى. وكان عمل هذه اللجنة أسهل من اللجنتين السابقتين. على أن لجنة أخرى تولّت تحكيم الروايات المهيأة للتحول إلى أفلام أو مسلسلات درامية. أما اللافت والمثير للعجب فهو أن إدارة الجائزة لم تصدر بيانات رسمية حول الروايات الفائزة ومسوّغات فوزها وحول الروائيين أنفسهم كما يحصل في كل الجوائز. بل هي اكتفت بإعلان أسماء الفائزين وإلقاء الخطب، فيما كان يجب كتابة تقارير عميقة حول الروايات وإصدار كتيّبات في المناسبة.

بدت انطلاقة جائزة «كتارا» متعثّرة وضعيفة وخالية من الأسماء الكبيرة وبدا برنامجها خجولاً وشبه مرتجل على خلاف ما كان متوقعاً في الدورة الأولى.


 واكتفت اللجنة بدعوة رئيس الاتحاد العام للأدباء العرب الكاتب المصري محمد سلماوي ورئيس اتحاد كتاب مصر، وبدا الحضور المصري لافتاً علماً أن أصواتاً مصرية انتقدت الجائزة واعتبرتها «سياسية» و«غير بريئة» ودعت إلى عدم التقدم إليها. وغابت أسماء من سورية وفلسطين ولبنان وسواها مثلما غابت أسماء روائيين مهمين، كباراً وشباباً عن الجائزة.
______
*الحياة

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *