نظرية الرغبة وأخواتها


*غيثة منار
ما الرغبة؟ وما طبيعتها؟ وهل ثمة حاجة إلى تعريف وتوصيف؟ وكيف تحتاج إلى تحديد وكل شيء في حياتنا المعاصرة ينضح بها ويدل عليها ويذكر بها ويشير إليها؟

بهذه الأسئلة وغيرها اختار الباحث والأكاديمي المغربي المخضرم إدريس نقوري، استهلال مقاربته لموضوع الرغبة الذي خصص له آخر إصداراته واختار له عنوان “نظرية الرغبة وأخواتها”.

ورغم أن موضوع الرغبة من المواضيع المطروقة في العديد من الكتب والدراسات، كما أنه أحد المواضيع الكلاسيكية التي تعرضت لها الفلسفة منذ اليونان، والعصور الوسطى، إلى الفترتين الحديثة والمعاصرة، فإن نقوري أصر على العودة إلى هذا الموضوع، واضعاً في الاعتبار المعطيات السالفة، ومحاولاً مقاربة المسألة من زاوية مختلفة بل هادفاً إلى بناء نظرية، مع ما يستلزم هذا البناء من أسس وقواعد ويشترط أن تتوفر له شروط وقوانين، فضلا عن الوسائل والأدوات.

ومن أجل صياغة “نظرية الرغبة” وتشييد صرحها الفكري وبيان الروابط التي تجمعها بمفاهيم ونظريات قريبة منها، ارتأى المؤلف البدء بعرض مفاهيمها ومختلف الألفاظ والعبارات الدالة عليها في اللغة العربية واللغات الأوروبية وعلى الخصوص الفرنسية، وهذا ما خص به مقدمة الكتاب والتمهيد.

واعتبر إدريس نقوري أن هذا “التحليل اللغوي” ضروري يفترضه الموضوع والتناول المنهجي ومن شأنه تقريب النظرية وبسط أبعادها، أما المنهج الذي اعتمده فهو “تاريخي وصفي مردف برؤية نقدية”.

في الفصل الأول المعنون “في نظرية الرغبة” الذي أفرده للحديث عن هذه النظرية والمفاهيم التي ترتبط بها بصلات قوية وتكاد تكون مرادفة لها في بعض الاستعمالات.

وانتقل نقوري إلى عرض وتحليل أركان النظرية من خلال ثلاثة مباحث، يتناول كل واحد منها بالمعالجة والتفصيل ركنا من الأركان المذكورة، فالفصل الثاني خاص بـ “الذات الراغبة”، والفصل الثالث مكرس لدراسة مواضيع الرغبة، أما الفصل الرابع فهو للوسيط: وسيط الرغبة، بينما أفرد الفصل الخامس للرغبة المحاكاتية كما تبلورت في مؤلفات روني جيرار، فيما ظل الفصل السادس مقصورا على “أخوات الرغبة” اللواتي يعتبرهن المؤلف شقيقات اشتقاقا ودلالة وتداولا، فالشهوة رغبة، والإرادة رغبة، وكذلك النية، والقصد، والحاجة، وغيرها.

أما الفصل السابع فيدور حول نقد الرغبة من منطلق أهمية هذا النقد، في مجال الفكر والعمل على السواء ولأن “الفكر الغربي، ومعه كل فكر أصيل، فكر نقدي في المقام الأول” بحسب نقوري.

كما عالج المؤلف الرغبة في الفكر الغربي، وفي علاقتها بمفاهيم أساسية في حياة الناس، مثل الأنا والآخر والحرية والواجب.

ولم يفت إدريس نقوري أن يخصص فصلاً عن مفهوم الرغبة في عصر العولمة، لأن هذا المفهوم فرض نفسه في العقود الأخيرة، ولأنه هو نفسه وليد الرغبة، الرغبة الجامحة في الإثراء والسيطرة والظهور.

رصد نقوري في كتابه الرغبة في علاقتها بحياة الناس المعاصرة وبقضايا المرأة والشباب والتغيير من منظور الفكر الغربي ومن خلال آراء كبار الفلاسفة والمنظرين. الرغبة بوصفها قوة ودولة لا تقل أهمية وخطورة عن دولة العقل أو دولة السلطة السياسية، وبيّن علاقتها بالعنف والمال والاقتصاد متخذا من أميركا نموذجا غدت تتحكم في اقتصاديات عدد من الدول وتفرض هيمنتها على العالم في ظل تحولات مذهلة وتطور تكنولوجي لم يسبق له مثيل أثر على العقليات وعلى سياسات كثير من الأنظمة والشعوب وأحدث قلاقل واضطرابات وثورات عربية وإفريقية وآسيوية.

وأخيراً عالج المؤلف باقتضاب علاقة الرغبة بالنسيان وبالذاكرة وهو المحور الذي أولاه فلاسفة الغرب ومفكروه وعلماؤه أهمية بالغة وتناولوه من زوايا متنوعة فلسفية ونفسية واجتماعية وفنية.

___________


*العربي الجديد

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *