‘أكملوا عني هذا المشهد’ قصائد مسكونة بالقراء


*زكي الصدير

تحدثنا الشاعرة البحرينية سمية جميلي عن تجربتها قائلة “القصيدة كانت حاسّة تستوعب ضياعي والتقاءه في الوقت ذاته. إصدار مجموعتي الشعرية أتى بدعم ومتابعة من قرّاء يهمونني، لولا هذا الدّعم لما استطعت الخروج إلى مواجهة كل ما أحذر منه هكذا”.

مسرحة القصيدة
في مجموعتها “أكملوا عني هذا المشهد” التي صدرت مؤخرا عن دار مسعى تقف سمية جميلي في منطقة حيث اشتغال شعري مسكون بالمشاهد المسرحية التي تضيء مفاصل النص ببانودراما عالية الأداء، ويعود ذلك لشغفها بالمسرح وبتفاصيله، وأيضا رغبة منها في تخليق عالمها بالصورة والهيئة التي تشاء. تقول سمية لـ”العرب”: علاقتي بالمسرح تنعكس بشكل واضح في ما أكتب، علاقتي بمن فتح لي نافذة المسرح أكثر مما يمكنني تجاوزه. لذا بالطّبع أنا أرغب في صناعة تقنية مسرحة النص في مجموعتي، لأنّها توضّح بشكل كاف ما ينبغي قوله، أخلق فيها تعقيداتي، موسيقاي، والإضاءة الخاصّة حول حدث معيّن في القصيدة كلها. وببساطة لأنها تعيدني برفق تام إلى نفسي.. مسرحة الشّعر شيء أخّاذ يمنحني “إعادة حياكة” ما أضعته وكأنّني أستعيده.
قلق الزمن
سمية الجميلي مثلها مثل أبناء جيلها (مواليد 1994) تغلب على تجربتها الثورة على كل الأشكال المتكلسة للأبوة، والبحث عن لغتها الخاصة، ثم النظر إلى العالم وفق هذه الرؤية الذاتية للكون. وربما يجد القارئ ذلك جليا في القسم الأول من مجموعتها، ثم يخفت هذا الصوت العالي في القسم الثاني من المجموعة التي أطلقت سمية عبرها عشر رسائل متنوعة جاءت محاصرة بقلق الزمن وأسئلة العاشقة الوجودية حول الموت والحياة والحب.
وعن هذا الشأن تعلق سمية “قد أبدو منشغلة بالتّساؤل حول الله، الحب، أمّي، وشيء كثير من ضياعي المتكرّر في الطريق ذاته جهة نفسي. قد أتساءل كثيرا حول مصيري في وسط فكري المكتفي بما لديه من خيارات متوقّعة. تؤرّقني الحياة هكذا. يؤرّقني كل ما أجهد ألا أنتبه إليه، احتمالات الحياة التي تنفذ في لحظة ما، ماذا لو طالتني هذه اللحظة في وقت مثاليّ لاختيار مغادرة الحياة؟”.
جيل الألفية الثالثة
جميلي التي تنتمي إبداعيا إلى العقد الثاني من الألفية الثالثة، حيث لهذا الجيل الإبداعي الجديد قلقه الخاص وأسئلته المختلفة التي لها قراءتها الواعية لتحوّلات الجيل ونظرته للأجيال السابقة عليه من السبعينات والثمانينات والتسعينات. لقد قضت وقتا ممتعا -حسب تعبيرها- في قراءة ما سبقها.
تقول سمية: “تعرّفت خلال قراءتي إلى كتابات باذخة وأصيلة لا تنتمي إلى غير ذات الشّاعر الذي يكتبها، وهذا مختلف عمّن تؤرّقه الكتابة، وهو مثال لشخص متكرّر أنتمي لجيله، وألحظ قلقه المستمر في الحفر عميقا في اللغة وتقليب ترتيبها عوضا عن تركها تأتي وتذهب حتّى يحين موعدها وهي مستقرّة في راحة اليد”.
وتتابع سمية مبدية رأيها في حقيقة النص المدهش “هذا شيء مقلق قد يتحول إلى ركيزة أساسية في الكتابة وتكوّن الجيل الذي أنتمي إليه، أن تؤرّقك الكتابة هو شيء كثير لا يشبه الكتابة. وأقدّر وجود أولئك الذين تابعت تشكّل كتاباتهم وفق ما تقتضيه التّغيرات التي تطرأ على النّص الشعري، إن من يستطيع الانفلات من قيد الإيقاع والشّكل إلى التّلاشي والتّماهي منشغلا في الفكرة وترك مساحة كافية للدّهشة في نصّه. هذا الفراغ المهول الذي يتركه الكاتب في مشاعر القارئ وذاكرته يبدو إيقاعه واضحا، ويترك على عاتق القارئ مهمّة إملاء ما قيل”.
وعن سؤال الحداثة على مستوى شكلانية النص ومضمونه وإلى أي مدى ذهبت بنصها مستعينة بقصيدة النثر، تؤكد سمية بأنها في نعمة كبيرة إذ أنها ولدت في هذه المرحلة حيث “إحدى نعم المرحلة التي نشأت فيها هي النّص الحداثي. كمّ الراحة والمساحة المتاحة والمخيفة في الوقت ذاته كي أحاصر فيها فكرتي وأعرّيها ببطء، إلى حدّ أصل فيه إلى مواجهة ما أكتبه بقلب أعزل وأصابع مرتجفة. أن أخلق إيقاعا نصّيا، موسيقاه، تعمّد رتابته، كسوره، كلّها بالنسبة إليّ هذا شيء رائع ومخيف حقا. محاولة التّعرض إلى الأسئلة التي تشغل القارئ بشكل يلكز ما في قلبه، تنوّعها، خلق الحميمية المرجوة لأنْ يكمل القارئ ما ترك من كلام لم يذكر”.
وفي سؤال أخير عن قلق جيلها من الرقيب بجميع أشكاله، السياسي، والديني، والاجتماعي، وعن مدى انعكاس هذا القلق على النص المنجز. تتساءل سمية: “كيف هي هذه الكتابة إذا كنّا نختارها للنّجاة؟”.
نص لسمية جميلي:
“وقت متاح للشجن”


سأتوهّم لثوان أنك في الطرف الآخر من المكالمة الهاتفية، وأزيّن صوتي بقرطيّ نوارس..

ثم سأصدّق -ببساطة أحبّها- في أقلّ من ثانية أنني اكتفيت بصوتك كـ.. حلّ مبدئيّ مقبول..


ولا بأس أن نلتقي “فيما بعد”.


سأقنع نفسي لمرّة إضافيّة..
أنّك مدلّل والدتك التي لا تهتم بشؤونها مع زوجها..


كي تترك شهقة اتّساع قلبي لي وحدي!


وأنّها ترتكب حيلا ساذجة


بطيئة النّمو


في حقل رأسك النّائم


بخفّة متناهية الخدر

على ساقيّ تعبي


يفاجئ أصابعي


بطرق مختصرة للحلم


كلّما سرّحته.


أنفض عن السّؤال رغبة الانحشار في ملاءة السّرير


أسند انتظاره برفق وأذكّره ببراعة اكتسبتها من أحاديثي القديمة مع المرآة


بأنّ الإجابة


ستأتي غدا..


أنت تأتي في كلّ “غد”،


لذلك بطبيعة محيّرة


يصادف ألا نلتقي.
_____
*العرب

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *