“بازارات” لعبد الحليم المسعودي: مفاهيم لا يدركها المتأسلمون


أمل الصامت*


     أصدر الكاتب والجامعي عبد الحليم المسعودي كتاباً جديداً بعنوان “بازارات: محاولات في الشأن العمومي” عن دار “آفاق برسبيكتيف للنشر بتونس”، سلسلة آفاق للجميع.

الكتاب تطرق في صفحاته الـ177 إلى العديد من الأحداث والمواضيع ذات العلاقة بالدين والاخلاق والسياسة والقيم على الصعيدين الوطني والدولي، قد يوحي العنوان بوجودها، إذ لم يخطأ الكاتب في اختيار لفظ “بازارات”.
“البازارات” في قاموسنا العامي هي عبارة عن فضاءات أو محلات يجد فيها قاصدها كل ما يحتاج إليه حسب نوعية الاشياء التي يبحث عنها، وفي كتاب المسعودي قد يجد القارئ كل ما يخطر على البال من مواضيع وقد لا يخطر.
في هذه “البازارات” واكب عبد الحليم المسعودي كل التصريحات والأقاويل الواردة على ألسنة أصحابها ومزوديهم وأطنب في وصف محتوياتها، خذ على سبيل المثال نص “أسود بابل ورؤيا يوحنا” الذي تطرق فيه الكاتب إلى الحديث عن الحرب التي شنها “الدواعش” على المعالم التاريخية والحضارية في الموصل، والخطابات المتعصبة “الطهرانية” الوهابية التي توارثوها، مستحضرا رمزية الأسود التي دمروها بتعلة انهم عبيحاربون ادة الأصنام والشرك بالله.
23 مقالا جمعها الكاتب تحت عنوان واحد “بازارات”، رمزيته للجمع وكان الكاتب أراد من خلالها الاعلام منذ البداية بأنه لم يتحدث عن نموذج واحد أطنب في تحليله والحديث عن تفاصيله، اعتبارا ربما لتنوع الأحداث وكثرتها في تونس والعالم ما بعد ثورات ما يسمى بـ”الربيع العربي”، خاصة تلك التي يسعى الفاعلون فيها إلى العودة بالشعوب إلى الوراء عبر مخزونات “دينية” مقيتة ظلت دفينة طوال القرون الماضية، لتنفض عن نفسها اليوم الغبار وتلطخ به أذهان البشر وتواريخ الأوطان.
لم يخلُ بازار من بازارات المسعودي من نقد لقول أو تصريح أو فكرة قد تمثل منطلقا “للرجعية” أو محاولة لقلب مفاهيم دينية ودنيوية الاسلام والحضارة الحقيقية بريئان منها، يقابله تبرير أو مديح لقول مغاير يدحض ذلك الفكر المشوه. وعلى عادته لم يُفرغ نصا من من استحضارات لماض قريب كان أو بعيد، واستشهادات لمفكرين وفلاسفة وكتاب معاصرين وقدامى.
7 عناوين فقط هي التي لربما وضعت الكاتب أمام اختيار عنوان دون سواه لكتابه “بازارات”، ليتجول في أروقتها وبين رفوف مثيلاتها في تونس وخارجها، إذ تكتشف بعد الانتهاء من “نهل” الكتاب، أن عدم ذكر لفظ العنوان الرئيسي في النصوص الـ16 المتبقية لا يعني أبدا انها لا تحمل نفس الرسالة التي اراد الكاتب أن يوصلها لقارئ كتابه.
صحيح ان نقد مفهوم الدين لدى شخصيات مختلفة تنشط على الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية بفكر “اسلاموي” هو ما طغى على المحمل الذي نتاوله اليوم بالدرس والتحليل “المتواضعين”، إلا أنه لابد وأن يجد القارئ نفسه، في لحظة ما، مكان الكاتب لما أجاد فيه من تبسيط وتقويم لمفاهيم دينية اسلامية حاول البعض تشويهها أو تطويعها لأغراض تخدم مصلحته في نشر ثقافة الموت والارهاب، حتى وإن خالفه الرأي في بعض التآويل.
اختصارا يمكن تلخيص هذا الكتاب في جملة بسيطة في التركيب عميقة في المعنى، فهو ببساطة مجموعة من النصوص المتفرقة في العناوين والمواضيع والتواريخ، والموحدة في الغاية والأسلوب الذي سعى من خلاله عبد الحليم المسعودي إلى تقويم مجموعة من المفاهيم الدينية والتفاسير “المشبوهة” لأشباه القادة والمفكرين والمتدينين في تونس ومصر وتركيا والعراق والسعودية وسوريا وفلسطين… بمفاهيم لا يستطيع أن يدركها “المتأسلمين”.
* حقائق أون لاين

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *