“العولمة والمسيح الدجال” للمطوّع: محاولة لاستشراف المستقبل بمقاربة دينية


*منى شكري

عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، صدر حديثاً للباحث الإماراتي عبد العزيز خليل المطوع كتاب “العولمة والمسيح الدجال”، وهو محاولة، كما قدم له، لاستشراف مرحلة من المستقبل الذي ستتسبب العولمة في إغراقه بالمآزق والأزمات إذا ما فشلت في الوصول إلى أهدافها النهائية، عندما يسقط عنها القناع الذي سيكون الشرارة التي ستشعل نيران كل الحروب والصدامات الدموية التي ستجتاح العالم من أجل استرداد النظام العالمي الجديد استثماراته التي خسرها في مزاده الانتهازي المخادع.

قسم الباحث كتابه، الذي يقع في 415 صفحة، إلى سبعة فصول: العولمة الدينية والفكرية والثقافية، العولمة العلمية والتقنية، العولمة الاجتماعية، العولمة السياسية والتاريخية، الوجه الآخر للعولمة، العولمة وأمريكا، العولمة: نهاية نموذج وبداية نموذج.
في مقدمته للكتاب، يؤكد المطوع أن العولمة وإن انبثقت كفكرة أو صيغة تجارية واقتصادية تعمل على جعل حركة الإنتاج الصناعي والتبادل التجاري العالمي أكثر سهولة ومرونة وحرية عن طريق إزالة أو تقليل العقبات التشريعية أو السياسية أو التنظيمية، ما لبثت أن أصبحت تياراً ثقافياً وفكرياً وسياسياً تقوم فلسفته على إلغاء الخصوصيات الفكرية والثقافية وتوحيد الأفكار والأهداف والممارسات على مستوى المجتمعات والشعوب والكيانات السياسية الدولية من خلال استغلال القدرات التقنية واللوجستية والاستراتيجية للإمساك بخيوط اللعبة وفرض شروطها ومراحلها.
ويرى أن العولمة، رغم كل هذه العناوين البراقة لم تتمكن من التخلص من انجذابها بقوة إلى الخلفيات الفكرية والدينية والثقافية لمؤسسيها “فكان لزاماً أن يقع التصادم بين الفكرة الجديدة المجنونة والعقيدة القديمة”، وأن تنتصر هذه الفكرة بطريقة الاجتثاث والإنهاء أو بالاحتواء والإذابة، لذلك غدت مرحلة تاريخية متوترة ومحتقنة؛ لأنها لم تكن إفرازاً طبيعياً لحل مأزق أو مشكلة عالمية التقت عليها إرادات مجتمعات العالم وشعوبها للتعايش التوافقي فيما بينها، وذهبت الكثير من الأدبيات إلى الاعتقاد أنها محاولة لأمركة العالم، لأن الولايات المتحدة لم تتمالك نفسها لتتوقف ولو لحظة واحدة عن تدخلاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية السافرة في كل مكان من العالم وكأنها بذلك تمارس دور الحاكم بأمر العولمة والناطق الرسمي باسمها.
وفي هذا السياق، يذهب المؤلف في مقاربته الفكرية- الدينية لاعتبار المسيح الدجال “حالة رمزية لفكرة العولمة”؛ وبذلك، فإن هذا الكتاب ليس محاولة تخيلية لسيناريو نهاية التاريخ، كما ذهبت العديد من الكتب التي ركزت على هذا الجانب في تناولها لهذا الموضوع، بل هو محاولة لإحداث ثغرة صغيرة في القناع المعتم الذي تختفي وراءه حقيقة العولمة، ثغرة تطل على مستقبل شديد الإثارة، قد يمثل الفصول الأخيرة من الزمن الذي في أفقه سوف تغرب النهاية المحتومة لنموذج العولمة الاستبدادية، لتشرق منه بداية لنموذج مختلف من العولمة الإنسانية.
يطرح المطوع في الفصل الأول، مجموعة من التساؤلات حول العلاقة بين الأمم المتقدمة والنامية، وما هي طبيعة الأعين أو الزوايا التي تطل بها هذه المجتمعات على بعضها، وكيف ترى المستقبل وتخطط له، وما هي احتمالات تبدلها. ويذهب إلىأن الفساد الذوقي لدى المجتمعات المتخلفة بفعل عدم التكافؤ مع المجتمعات المتقدمة يصبح لازمة من لوازم الإصرار على الالتصاق بـ “الدونية أو الورائية” التي يتم استغلالها من أرباب العولمة إلى أبعد مدى.
ويتناول الفصل الثاني واحدة من أهم أدوات العولمة، وهي الثورة المعلوماتية والحضارة الرقمية، وفي الفصل الثالث، يعالج المؤلف العولمة الاجتماعية ويربطها بفكرة الإلهاء في البروتوكول الثالث عشر من بروتوكولات حكماء صهيون، والنموذج الجديد للمرأة.
أما الفصل الرابع، فيركز على العولمة السياسية والتاريخية، معرجاً على أساليب الكذب والتمويه والتضليل التي لجأت إليها العولمة ملقياً المؤلف ظلالاً من الشكوك على عدد من المفارقات: الإرهاب العالمي، أسلحة الدمار الشامل، أسعار النفط، حقوق الأقليات السكانية، قواعد الحرب والسلم، حرية الرأي والتعبير، القيادات الشابة.
في حين يتناول الفصل الخامس، الوجه الآخر للعولمة والمتمثل في عودة الشيوعية خصوصاً فكرة الإلحاد، والتمييز العنصري بنكهة العولمة كما يظهر في عقدة الكراهية التاريخية للعالم الإسلامي والعربي.
ويتضمن الفصل السادس معالجة لفن أمريكا في صناعة الأعداء، وسياسة النظام الجديد في حرق المراحل التاريخية (اختصار التاريخ) واستثمار نظرية المؤامرة خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والمفهوم الأمريكي لحالة القطب الأوحد، والأصول الفلسفية والعقيدية للاستراتيجية الأمريكية في استثمار الفساد الاجتماعي، وتطويع التفوق الإعلامي.
الفصل السابع “العولمة: نهاية نموذج وبداية نموذج” أهم فصول الكتاب وأطولها، ويخلص فيه المؤلف إلى الكثير من التوافق بين فكرة العولمة ورمزية المسيح الدجال في طبيعة المنهجية التأثيرية وماهية الأساليب المستخدمة، معتبراً أن العولمة ما هي إلا تهيئة للأرضية النفسية والإيمانية والعقلية والثقافية التي سيعمل الدجال “الرمز المادي للعولمة البشرية” عند خروجه على استغلالها من أجل تنفيذ أجندته لقيادة العالم وإخضاعه لشروطه الحضارية والفكرية.
يذكر أن عبد العزيز خليل المطوع، سبق أن أصدر ثلاثة كتب فكرية نشرتها “المؤسسة العربية للدراسات والنشر”، وهي: صهيل الخندق الأخير (المسلمون بين حالة المحاكاة والتبعية بين حالة الإبداع والريادة)، الربيع الأسود (ثورة أم ظاهرة أم فصل من فصول تجفيف الأمة)، الخليج بعد النفط (المجتمع الخليجي بعد أكثر من نصف قرن على اكتشاف النفط).
__________
*ذوات

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *