أهل القلوب وأهل العقول


محمد أمين ابوالعواتك*



      تستغرقني قراءات تقدم بطريقة(نادرة) العلم والمعرفة في عرض فكري (مدهش) يمثل اضافة نوعيه ثرة حافلة بالجديد فتروي الظمأ الذي يفتك ببوار ارض العلوم والمعارف الانسانيه.
الانسان بكليته المترابطة مع العناصر الكونيه الاخري يظل دوما مصدر الدهشة فهو سر الخليقة الالهية البديعة…(تبارك الله احسن الخالقين)..وهو الخليفة…خليفة الله في الارض..(اني جاعل في الارض خليفة)…وهو الذي علمه الله…( علم الانسان مالم يعلم)..وفيه وبه ومنه …مدينة العلم…سيدي رسول الله عليه افضل الصلوات والتبريكات…لقوله (انا مدينة العلم..)..ووصف القران الكريم الانسان كذلك(..وكان الانسان اكثر شي جدلا)… واقوال اهل العلم والمعرفة…(وتحسب انك جرم صغير وفيك انطوي العالم الاكبر).
المقارنات بين (أهل القلوب) و (أهل العقول) منذ الغزالي وبن رشد والحديث في ان الوصول الي المعرفه اليقينيه لا يكون الا بالسلوك عند الغزالي وبالعقل عند بن رشد مثالالجدلية الانسان علي مر الزمان الي واقع اليوم المضطرب في تركيبته (المنهكة) بفعل ترسبات كثيرة نتيجة لانحسار القيم الموجبة الطبيعية التي تعكس (اعتدال) الاشياء…واعتدال الاشياء هو الميزان وهو التوسط فيها والبعد عن منحرفها كما اوضحنا في مقال سبق في تعريف حسن الخلق..الذي هو مقصد الهدي السماوي في رسالاته المختلفة…وصولا الي الاخلاق…وامثلة الاعتدال في الاشياء كثيرة كاعتدال شهر ربيع الذي شهد (مولد النور) من بين شهور السنة من حيث البرودة وشدة الحر وهو امر له دلالاته وهكذا..
والعقل كماهو معلوم بداهة مناط التكليف عند الانسان…العقل والادراك والفهم…وهو ايضا في نفس الوقت حجاب عند العارفين ..فيقول صاحب (كلية الانسان): ان العقول لاتتسع بمافيه الكفاية لبعض الفيوضات لان العقل لايقبل (مثلا) ان يكون ..الاول هو الاخر…او ان يكون الضار نفسه هو النافع…لذا لم ترد كلمة العقل في القران الكريم قط،انما ورد الفعل المشتق منها كقوله سبحانه وتعالي(يعقلون)..بل ورد ذكر القلب… الذي قال الله سبحانه وتعالي فيه ايضا في حديث قدسي(ماوسعني ارضي ولا سمائي لكن وسعني قلب عبدي المؤمن) كماورد في مجمع الفتاوي لابن تيميه وتتضح الصورة بعض الشئ بين (اهل القلوب) و (أهل العقول)..في ان يكون مايظنه الناس شرا فيه خير كثير…لان العقل يميل الي رفض مايظنه شرا…(وعسى ان تكرهو شيئا وهو خير لكم)..ولكن اهل القلوب ذات السعة التي اشار اليها الحديث القدسي المذكور فيرون الخير فيما يراه اهل العقول شرا….(وهو خير لكم)..وفوق كل ذي علم عليم.
وتستمر المقارنه بين (اهل القلوب) و(اهل العقول)…في ان اهل العقول يكرهون المصائب لضيقهم اما اهل القلوب فيعلمون ماقاله الحبيب المصطفي علية افضل الصلاة والبركات في حديث معناه ان كل ما يصاب به المؤمن كفارة له حتى الشوكة يشكها المؤمن…فلا يأبهون لحوداث الدنيا بل ينظرون الي جانب الخير فيها.. فهم اهل الصبر الذين لايرون لانفسهم فضلا في صبرهم وهم السعداء الذين يعتقدون الخير حتى في المصائب لأن علم الخير والشر عند الله سبحانه وليس عندهم… وهذا هو الغيب الذي لا يعلمه أحد غير الله… فربما يظنون شرا يكون عند الله خيرا..فلعلهم ومعرفتهم… تركوا لله الاختيار لأنفسهم ولسان حالهم يقول( اللهم اقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) لذلك قل انكارهم لما لايعلمون.. وتركوا الحكم فيه لله ولم يصدروا حكما على احد بالكفر او الخروج عن الملة.
ما أحوجنا لاهل القلوب ونهج الأدب والتأدب والكروب والفتن تحاصرنا يوما بعد يوم وصار مانراه بعيدا وتأتينا به الأخبار قديماً..واقعا معاشا اليوم…فحاصرنا انفسنا بانفسنا…انما هي أعمالكم ترد اليكم…..لان….وماتقدموا من خير…(للاخرين)….هو حقيقة لنفسك…سيرتد اليك كما خرج منك ..لذا لاتشتكي الزمن ولا الدهر ولا اي شخص اخر..وكما تدين تدان…بل ابدأ بنفسك لتغير واقعك….فالامر فيك ومنك واليك…فالدين المعامله…ولم يقل من لاينطق عن الهوى..إن الدين شئ اخر…المعامله وحسن الخلق..لذا يقول أهل البصائر والحكم من( أهل القلوب) النوادر الذين صاغوا مجتمعنا بقيم الاخلاق وأرسوا اساسها المتين كامثال الشيخ العبيد ودبدر عليه رضوان الله (صاحب الآداب يكسب لو من التراب)وقال أيضا ( الما بتادب بنحش ويتكدب) وهذه بالتاكيد افادات وخلاصات تجارب انسانيه ممتدةعبر القرون..وهو مايحفظ السودان اليوم وسط هذه الامواج المتلاطمه من الفوضى وعدم الاستقرار..وهو الاخلاق ونهج اهل القلوب… والذي للاسف يتآكل رصيده الآن بفعل بعض العوامل والمتغيرات غير الأصيلة وتداخلها مع بعضها ومنها الوافد والذي هو بلا قلب وعقل ..
ونواصل مع أهل الحكمة من المتأملين في الإنسان وكليته المتناغمة مع كلّ المخلوقات ووصفاتهم للطريق المختصر للوصول للمعرفه اليقينيه…. في قوله : إن الله سبحانه وتعالى قد جعل السبيل للعلم والمعرفة بالتقوى ولم يأمر بغيرها…(اتقوا الله ويعلمكم الله)..فالعلم يأتي تبعا لتقوى الله..والتقوى هذه يبذل الناس مجهودا كبيرا في تعريفها ويسمعوها في كثير من الخطب واحاديث العلماء الا ان المختصر المفيد فيها هو..ترك كل مايخالف الاخلاق …والنتيجه المباشرة لذلك….يتفتح العقل الانساني ويكبر ويتسع للجميع ويخرج من كل ضيق..(..ومن يتق الله يجعل له مخرجا)..ثم يلزم مرافقة الصادقين ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)…فالصدق والأخلاق دوما هي مربط الفرس والمقصد…وبدونها تسقط كل المناهج والافكار مهما أوتيت من قوة دفع تنظيمية او تعبوية او سلطوية..وبين أيدينا كل التجاربمن أقصى اليمين الى اقصى اليسار… انظر أيضاً الى المجتمعات الاخرى التي تسود فيها بعض من قيم الاخلاق والتعامل والصدق..وكيف أنها شادت حضارات وتقدمت رغم نسيبة المعيار..
والانسان الجاهل يدعي الاحاطة بالعلم فيحكم على أفعال الناس وعلى ما أوتوا من العلم بفعله هو…فيكفر من اؤتى علما خص به…والله قادر على ان يفعل..فلم تنقطع الرحمة ولم تتغير الانسانية..لكنها طبيعة الانسان، فالناس أعداء ما جهلوا…وحال أكثر الناس انهم لا يستطيعون الصبر على مالم يعلموا فيبادروا بالاعتراض ثم بالانكار..ناسين او متناسين وقفات التدبر في معجزة النبوه الكبرى…كتاب الله… وقوله سبحانه وتعالي للملائكة وهي الارواح المجردة:
(اني جاعل في الارض خليفة..)
وقولهم:
(…قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك..)
والرد الالهي المبين:
(..قال اني اعلم مالاتعلمون)…
بمعنى أن علمكم قاصر وما أوتيتم من العلم الا قليلا..
(وعلم ادم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين قالوا سبحانك لاعلم لنا الا ما علمتنا إنك انت العليم الحكيم)..
فلو صبر( اهل العقول) على ما لم يعلموا ولم ينكروا على ( أهل القلوب) وقالوا :
(لاعلم لنا الا ما علمتنا)
لكان خيرا لهم…..

*اعلامي وباحث من السودان

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *