لست الضوء، أنا الليل/ مناجيات مع كازانتاكيس – 4


*لطفية الدليمي

أتكرر فكرتك عن الهاوية المظلمة التي أتينا منها وعبرنا ومضة الضوء التي تسمى حياة في كتابيك : “الحديقة الصخرية” و “تصوف” -عندما قرأت الكتابين أدركت أهمية فكرتك عن “عامل الهاوية” لفهم لعبة الحياة ومواجهة تحدياتها بين الظلمتين ، إنها فلسفتك الخاصة للقيام بواجباتنا الثلاثة : الإقرار بالوهم ومكابدة الألم واجتراح الأمل ، وجدت فكرة الكتابين متداخلة باستثناء رحلتك الى اليابان والصين في الحديقة الصخرية ،سمعتك وأنت تتابع مسيرتك بين معابد اليابان وحدائقها المتقشفة بصخورها ورمالها وكهنتها الصامتين ، سمعتك تهمهم : خائف من الكلام ، أزين نفسي بجناحين مزيفين، أصرخ أغني وأبكي لأغرق صرخة قلبي العنيدة ..

– صدمني اتصالي باليابان ، صدمنى الصمت المهيمن على معابدهم ورقصهم الطقوسي وقلوبهم ، وجدتهم يحيون في الصمت ويشعرون بالعار من صحبة الجنس الأبيض ويقمعون الصرخة في أعماقهم ، بينما كنت اطلق صرخات عرقي الأغريقي وأهتف أمام الكاهن :
“لست الضوء ، أنا الليل ، لكن ثمة لسان لهب يطعن أحشائي ويلتهمني ، انا الليل الذي يلتهمه الضوء..” 
وجدتك تتقلب بين حالات متناقضة من التعاسة والسعادة واليقظة الحادة واضطراب الروح ، ترى ما معنى السعادة لدى متمرد صارخ في البرية مثلك ؟؟ 
– السعادة هي ان نعيش كل انواع التعاسة ..
ومامعنى الضوء الذي يسكن قلبك ؟؟
– ان أرى بعين غير معتمة جميع الظلمات..
وكيف تقوى على ذلك ..؟
– استبقي دماغي مستيقظا ، رائقا واطلقه إلى المعركة بلا رحمة حيث بوسعه التهام ظلمة الجسد بضوئه ،ليست لدي ماكنة أخرى غير العقل لأحول عتماتي إلى ضوء ..
وقلبك المتمرد ، ماهودوره في معركة الضوء والظلمة ؟
– أستبقي قلبي متأججاً جسورا وقلقا ،وفي قلبي أشعر بجميع الإضطرابات والتناقضات ،مباهج الحياة وأحزانها ،لكني أصارع كي أخضعها لإيقاع متفوق كإيقاع العقل ،وأقسى من إيقاع قلبي، أخضعها لإيقاع الكون المتسامي..
تقول ان ثمة صرخة تنطلق من أعماقك ، ماهي هذه الصرخة المجلجلة ؟؟
– إنها ليست صرختي ، بل هناك أسلاف لايحصون ، هناك موتانا الذين لايرقدون في التراب، لقد أصبحوا طيورا وأشجارا وهواءً ونحن نجلس في ظلالهم ونتغذى على لحمهم ونستنشق أنفاسهم ..
سمعتك تردد: لست وحيدا ، لست وحيدا ، من أين ينبثق هذا النداء ؟
-من سلالتي الماضية ، وعليّ ان لا ارتعش خوفا ، لأنني سأهين أسلافي، لست جسدا ماثلا في الحاضر ويائسا ، خلف قناعي الطيني يكمن وجود عمره ألف عام : أهوائي وأفكاري أقدم من قلبي ودماغي.
أفكارك ، إبداعك – أصداء الأوديسة التي تتردد في أعماقك – كيف ترى الإبداع جنونا أيها الكريتي المقاتل ؟
– أليس الإبداع دائما فقدانا للتوازن من أجل إنجاز توازن أكثر سموا ؟ حقا إن الأبداع الحقيقي هو فعل جنون ..
أراك تزهو بجنسك الاغريقي وبانتمائك الأوروبي ؟
– هذه نقيصتنا ،سألت شيخا صينيا مهذبا عندما كنت في الصين : هل أنت بوذي؟ فقال لي : آه منكم أيها البيض، تحتاجون دوما للتصنيفات ، توجدون فقط بقدر ماتنتمون إلى شيء ما أو شخص ما ، رؤوسكم مليئة بالأدراج والملفات ،بوذي ،مسلم ،مسيحي ، أبيض أصفر ، أسود ، كونوا بأنفسكم ، أنا بوذي واحترم كونفوشيوس واتبع وصاياه لكن حقيقتي تكمن في ” التاو ” الذي يتجاوز كل تعريف.
يتبع
_______
*ثقافية المدى

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *