تراجيديا عن شيخوخة أمنا الأرض


*طاهر علوان

الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي والتلوث والسموم والانبعاثات وملايين الأطنان من المواد والغازات السامة التي تتدفق كل يوم، من جرّاء المخلفات النووية كلها مفردات صارت تتردّد باستمرار، وتشكل علامة فارقة للكرة الأرضية، وهي تصارع من أجل التوازن البيئي، ولكن دون جدوى.

فيلم “المستعمرة” للمخرج جيف رينفروي يقدّم للمشاهد منذ البداية صورة تراجيدية للكرة الأرضية، بعدما عصف بها الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي والانبعاثات السامة، مما دفع البشرية إلى إنشاء نظام وأجهزة قادرة على إنقاذ الحياة من هذه المعضلات الخطيرة.
وفي المقابل يبدد موسم الصقيع كل الجهود في هذا الاتجاه، ولهذا ستقع الكرة الأرضية تحت وطأة مناخ متجمّد وعواصف ثلجية لا تنقطع، فتدمّر الزراعة وتشلّ الحياة بالكامل بسبب استمرار هذه العواصف لسنوات طوال دون توقف. هذا الأمر هو الذي يدفع من نجوا من هذه العواصف إلى أن يتجمعوا في مستعمرات منظمة تحت الأرض، للحفاظ على حياتهم ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
نحن الآن في المستعمرة السابعة التي يقودها “بريغز” (الممثل لورنس فيشبورن)، ويساعده شخصان آخران وهما “سام” (الممثل كيفن زيغرز) و”مايسون” (الممثل بيل باكستون)، وهذان الأخيران يقفان على طرفي نقيض وفي تناحر واختلاف دائم، فـ”مايسون” بطبيعته إنسان عدواني ومتعجرف، ولا يتورّع عن إيذاء الآخرين بطريقة عدوانية، وهو ما يرفضه “سام”.
داخل المستعمرة تمّ تقسيم سكانها المتبقين إلى وظائف؛ يزرعون ويربون الدجاج والأرانب ويطهون ويخزنون الطعام، ولكن المشكلة هي في الخوف المستمرّ من احتمال العدوى بوباء الأنفلونزا، ولهذا فإن من تظهر عليه علامات الإصابة، يتمّ الحجر عليه مباشرة في محجر خاص.
وخلال ذلك يتمّ إعطاؤه الأدوية على أمل أن يتعافى، فإن لم يحصل ذلك فإن أمامه خياران، إمّا أن يخرج من المستعمرة ويترك سائرا هائما على وجهه وسط العواصف الثلجية حتى الموت، أو يختار الموت السريع والمباشر من خلال رصاصة واحدة يطلقها عليه “مايسون”، وهو ما يجب أن يثبته التحليل المخبري.
ومع ذلك يتصرف “مايسون” من تلقاء نفسه بعدوانية، وذلك بتسرعه في الإجهاز على أيّ مصاب، وهو ما يثير حنق “ســام” الذي يشــتكيه إلــى “بريغز” مديــر المستعمرة.
تتواصل المستعمرة الجاثمة وسط الجليد مع مستعمرة أخرى تحمل الرقم 5، لكن فجأة ينقطع الاتصال بسكانها ممّا يدفع “بريغز” إلى استصحاب متطوعين لتفقد الأحوال هناك، فيتطوّع “سام” للقيام بالمهمة مع شاب يافع آخر.
يقطع الثلاثة رحلة شاقة تلوح خلالها جسور عالية من منشآت ومبان سابقة، وثمة ثغرات مخيفة في تلك الجسور تفضي إلى وديان سحيقة، وعندما يصلون إلى المستعمرة لا يجدون أحدا من سكانها، وليس ثمّة إلاّ آثار الدم، ويجدون شخصا محتجزا لوحده، وهو يعاني من العطش والجوع والذعر الشديد.
ويسعى الثلاثة لإنقاذه، ولكن من دون جدوى إذ يفضل البقاء معزولا هناك، إلاّ أنه يخبرهم عن نجاح مجموعة أخرى تبعد قرابة عشرة أميال في استعادة الصحو والشمس والأرض الصالحة للزراعة، وأن حاجتهم الوحيدة هي البذور لأغراض الزراعة.
ما إن يهمّ الثلاثة بمغادرة المكان حتى يفاجؤوا بمجموعة من الجياع، لم تجد ما تأكل حتى تعوّدت على أكل لحوم البشر، ويقع اشتباك بين الطرفين وصراع طويل ودامٍ يستخدم فيه “بيغز” و”سام” ما توفر عندهم من ذخيرة، ليعود “سام” في الأخير وحيدا بعد مقتل زميليه الآخرين.
ويرجع “سام” إلى المستعمرة، منذرا زملاءه كي يسرعوا في الهرب إلى تلك البيئة الجديدة المكتشفة التي شاهد مكانها على الخريطة والشمس مشرقة فيها على بعد ثمانية أميال، ولكنه يواجه برفض شديد من قبل “مايسون” بأن أحدا لا يجب أن يخرج ويجازف، وأن الخروج معناه الموت.
وتحسبا لما قاله “سام” تبقى المجموعة، وهي تراقب مداخل المستعمرة عبر الكاميرات، لكن لا شيء يحصل، حتى إذا اطمأنوا سيواجهون بأولئك المتوحشين، وقد غزوا المستعمرة، وبدؤوا فيها تخريبا وحرقا وقتلا، حتى يكون من بين القتلى “مايسون” نفسه الذي لم يكن مصدقا بما حذر منه سام.
أما هذا الأخير فيقود بضعة أشخاص من الناجين بما فيهم صديقته “كاي” (الممثلة شارلوت سوليفان) راحلين عبر الثلوج باتجاه تلك المستعمرة الافتراضية، وحاملين معهم شيئا واحدا هو كمية من البذور.
لا شك أن بناء الفيلم دراميا وموضوعه قد تميزا بحرفية ومهارة لافتة، وأداء مميز أيضا وكان موضوع التلوث والاحتباس الحراري وشكل المدن المخربة وهياكلها المهجورة تحت الثلج مقنعا جدا، لكن التشعب باتجاه كائنات “الكانيبال” أدخل الفيلم في نوع آخر، هو أفلام الرعب ومصاصي الدماء التي ربما تجد لها من يستمتع بمشاهدتها، ويراها تحوّلا ضروريا لإبقاء الأحداث في تصاعد درامي وصراع متواصل إلى النهاية.
______
*العرب

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *