دم الشعراء


محمد علي شمس الدين *


بلا مرسى
في أول ساعات الفجر
الدنيا زهرة رمّان صهباء
ما بين الأحمر والأصفر
كان البحر قريباً
ويحاول أن يصنع قلبي
من زبد
لا يصنع منه سوى الغرباء
فأنا مفتون ببريق الأمواج
ومنذور لرحيل فوق مراكب بيضاء
بلا مرسى
وصرخت: أبي يا سلطان البحر أغثني
أصغى لبكائي
وتأمل في وجهي وهو يغيب مع الكلمات
وقال: محمد يا ولدي
من أغراك لتخرج في هجرتك الكبرى؟
هل تطلب مجداً أم ثأراً؟
كن يا ولدي
أعقل من أن تسحبك الأمواج
وتلقيك على بر
لا تعرف أين يكون
ولقد حيّرني أمرك
قل لي: مَن أنت؟
– أنا يا مولاي من الحرفين
الأول كالمرسى
والثاني كالمجنون
قال: أتعرف أين تسير؟
– كلا
– هل تعرف أين تموت؟
– نعم
في التيه
قال وقد عقدته الدهشة:
هذا سر أبيه
أغضى نحو الأرض قليلاً
وكمن يقرأ وجه الغيب
أشار إلى البحر وقال:
فلتشرق شمس الله إذن
من هذا البر على بحر الظلمات
وليخرج من هذا البر صبي
يضرب غربان الليل بأحجار النورانيين
وليغرس رايته عند الملأ الأعلى
يصغي لأنين دم الفقراء إذا جاعوا
وإذا ما اسودّ الليل قليلا
يسود الليل
ليطلع من كفّ الظلماء
دم الشعراء
تخطيطات
الشنفرى
دمّ الشنفرى مهيب على البادية
يدور على نفسه
في العماء القديم
مقيم ويرحل
قديم وقادم
جمرة في أعالي السماء
ومن حولها موقد للضيوف
أرى على بعد مترين
قبرين مندثرين
وعوسجة شعثت شعرها في الرياح
وعشرين ألفاً من الشعراء الكسالى
يدورون صرعى
ويهوون في سراويلهم
فنار الهلاك
أنشبت ظفرها في فم البادية
ولم يبق شيء سوى الخوف
ما يجعل القلب كالقنفذ المستباح
في هبوب الرياح
أبو الطيب المتنبي
أنا منك الضنا وأنت النحول
كل صب بحبه مقتول
ما لجفني كلما أخلد الخليون
للنوم يعتريه الذهول؟
وبجسمي من شدة الروع روع
ككتاب قد مسَّه التنزيل
يا غزالاً غزلته من جنوني
تاه فيك النهى وضلّ الدليل
وجمالاً بكى لروعة ما فيه
فمن حسنه يئن الجميل
ونزلنا على الخليج ثلاثاً
ورحلنا والبين طفل عذول
وقطعنا مفاوز البيد حتى
تركتنا مثل الطلول الطلول
تثب الريح كالحصان على الرمل
اشتياقاً ويصدح المجهول
أبو العلاء المعري
غربتي نجمي وشكي سفني
وأنا أبحرت في اللازمن
هكذا وحدي ولا من شاطئ
غير نفسي في بقايا بدني
وأنا الماء مزيجاً عكراً
ووحول الشمس فوق القنن
وأنا البحر الذي أمخره
وأنا الريح وهذا وطني
فتعالي واقيمي حرة
في جحيمي وسكون الوثن
تعريف الشعر
«والشعر قبض على الدنيا مشعشعة
كما وراء قميص شعشعت نجم»
(سعيد عقل)

ما كان ما كان لا كأساً ولا حببا
تبقى الحروف على تيجاننا ذهبا
يا صاحب المائة الزرقاء هل خبر
خلف السنين التي أشعلتها حطبا ؟
لكي تضيء فلما انفض سامرها
على الرماد تجلى جمرها لهبا
لي فيك سكر وما للصحو فيه يد
ما ليس يعرفه إلا الذي شربا
من خمرة الله لم تعصر بآنية
لكنها انسكبت مذ دمعه انسكبا
من أول الدهر كانت عند بارئها
وكان آدم من اسبابها سببا
وقال ربك للأفلاك يأمرها
كما الخراف بأن تأتي وأن تثبا
وللملائك أوحى أن موعدها
في أرض عبقر والجن الذي احتجبا
حتى إذا اكتملت للأرض صورتها
وأشرقت شمسها وازينت قببا
وكنت طفل سلالات مقطرة
من نبعة الضاد أما حرة وابا
وأصعب الصب أن يحيا الفتى نسباً
يؤويه حتى ولو لم يقبل النسبا
ماذا سنفعل بالياقوت يا أبت
وكلما زاد بعداً زدته طلبا؟
أصل الحكاية أن الشعر كاس طلى
والخمر أجمل ما يروي إذا انسكبا
لكنه شفّ حتى خلته قمراً
خلف القميص فلما أوشك احتجبا



( السفير الثقافي )

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *