رداً على مقال بروين حبيب «عن البوكر العربية ولجنة تحكيمها»: الأغصان تنبت في جذوع الشجر السليم


*سامي البدري
بعيدا عن كل النقد (الهدّام) الذي ترى زميلتي العزيزة بروين حبيب، أنه قد وجه للبوكر العربية ولجنة تحكيمها، وأنا كنت من بينهم، وربما أولهم، سأتوقف هنا أمام الحجج التي تقدمت بها زميلتي في دفاعها عن البوكر ولجنة تحكيمها، وبعيدا عن اي انفعال مسيء.
أولا أحب أن أشير، وكما أشرت في عنوان ورقتي هذه، إلى أن الأغصان التي تحمل الثمر الطيب إنما تنبت في جذوع الشجر السليم المعافى، لا في الجذوع الخاوية المتداعية، ومن هنا جاء اعتراض المعترضين على لجنة تحكيم البوكر العربية، لأنها اختارت (أغصانا) عناصر غير مؤهلة للبت في أمر مفاضلة فن من أصعب فنون التعبير بين الأجناس الأدبية، وهو الرواية، التي بدأت تأخذ مكان ومكانة الشعر في ثقافتنا العربية، بعد أن ظل الشعر مستفردا بها حتى مطلع القرن العشرين.
لا أحد ضد الشعر ولا الشعراء، وأنا أحسب نفسي عليهم وعلى جمالية هذا الفن أحيانا، ولا أنكر أن الشاعر قارئ جيد للرواية، ولكن هل الشاعر ودارس الأدب (يسمون أنفسهم نقادا) مؤهلان للتحكيم في أمر مسابقة كبيرة تخص الرواية؟ هل ترتضي زميلتي العزيزة أن يحكم مجموعة من الروائيين مسابقة في الشعر؟ ألن تعترض ـ وهي الشاعرة ـ حينها بتساؤل بسيط: وأين الشعراء من لجنة التحكيم وما هو دورهم إذن؟
افتتحت زميلتي مقالها بالقول «كثير من النقد وجه للجنة تحكيم البوكر العربية، لكن لا نقد وجه للأعمال التي رشحت» وهذا سببه التشخيص السليم، من قبل المعترضين (واغلبهم من الروائيين) للخلل والمشكل البنيوي الذي وقعت فيه إدارة البوكر في اختيار عناصر لجنة تحكيمها من الأساس، فليس من المنطق ألا يكون في لجنة تحكيم جائزة تختص بالرواية غير نصف روائي مغمور لم نسمع به يوما ولم تفرض رواية له نفسها على المتلقين وعلى وسائل الإعلام والنقاد… فأين الروائيون وما هو دورهم اذن؟
فإذا كانت لجنة التحكيم مهلهلة وغير متخصصة، فكيف سنثق بأحكامها وقيمة ما سترشح للجائزة؟ وبالتأكيد هذا لا يعني أنني لست ضد رأي زميلتي بروين في أهمية نقد الأعمال المرشحة للقائمتين، الطويلة والقصيرة، والتوقف مليا أمام أمر تقييمها، ولكن اعتراضنا جاء من موقع أن ننتظر ثمرا سليما من أغصان سليمة متفرعة عن جذع شجرة سليمة وتسمو على النقد بذاتها أولا، لننظر من بعدها في أمر جودة ثمرها من عدمه… ولا أظن أن أحدا من النقاد الجادين سيهمل هذا الأمر وفي أوانه؛ وألفت هنا عناية زميلتي إلى مقالي «بوكر عام 2014 .. حفلة أطفال يقلدها الكبار، والمنشور في صحيفة الشرق السعودية» والذي عمدت فيه لتقييم ـ كما اقتضى مقام روايات تلك الدورة المتهافتة ـ سريع لروايات القائمة القصيرة مع لجنة تحكيمها بالطبع، ولتي أثبتت لنا، حينها كما اليوم، أن نقد لجنة التحكيم أو تقييم أعضائها، أمر ضروري فعلا لنجاح أي مسابقة ولأي جنس أدبي.
وبعيدا عن الاستعراض الذي قدمته الزميلة بروين لشهاداتها العلمية ومنجزاتها الإعلامية، على أمل أن تدعم بها أهليتها لتكون عضو لجنة تحكيم في أصعب أجناس الأدب وأكثرها احتياجا للفنية والتقانية والأدوات والإمكانات النقدية الصارمة، أقول إن نقدي لبوكر عام 2014 كان هو أمر العناية باللغة، لأنني وجدت، وعبر قراءتي لروايات تلك الدورة، أن لجنة ذلك العام أهملت أمر اللغة بشكل لافت للنظر، وإلى حد انها منحت جوائزها لأكثر الأعمال استهتارا باللغة، والتي لم يكتف أصحابها بالكتابة بالعامية، بل تجاوزوها إلى حد التفكير بالعامية… وطبعا سكوت لجنة البوكر ـ كجائزة كبيرة ـ على ذلك، بل ومنحها أرفع أقيام الجائزة، إنما سيعطي المسوّغ للكتاب الشباب للكتابة بالعامية، إن لم يجعلوها سنة من سنن كتابتها وسرا من أسرار نجاحها في عالم الجوائز، ولكن أيضا هذا لا يعني ولا يبيح للجنة هذا العام، ممثلة برئيسها بالدرجة الأولى، في جعل العناية بأمر اللغة المعيار الأول لتقييم جنس الرواية، دون باقي عناصر نجاحها.
وبعيدا عن حدة إسلوب زميلتي الفاضلة في الطرح «ضربة في القفا لا يمكن أن نسكت عنها، إذا كنا فعلا نحترم الشعر، ونريد لمكانته ألّا تتزحزح نحو القاع الذي رسمه هؤلاء. ضربة واضحة، كشفت أخيرا أن من دمّر الشعر هم أهل البيت الأدبي» أقول إن الشعر هو مراح كل الأجناس الأدبية وأصحابها، وبالتأكيد فلا أحد يجرؤ على المساس بمكانة الشعر والشاعر أبدا، ولكن بالمقابل فإن الشاعر والأكاديمي الذي درس عن الرواية، ليسا مؤهلين لوحدهما في البت في أمر نجاح الرواية من عدمه… ما هو دور الروائي إذن ولأي حكم سنتركه… ألنجعله عضوا في لجنة تحكيم الشعر وليقرر نجاحه وفشله؟ ماذا سيتبقى لك اذن يا شاعرة أنت وزملائك وأين سنستفيد من آرائكم وذائقتكم الشعرية؟
هذا كل ما طرحته الزميلة بروين من حجج في مقالها، أما ما تبقى منه، وهو الجزء الأعظم، فهو ليس أكثر من عملية استعراض لمواهبها وقدراتها العلمية والمعرفية… والشكوى من تعب عملها في لجنة تحكيم هذه الجائزة لهذه الدورة.. أقول لزميلتي إن شهادة الدكتوراه في الفعل والفاعل والمفعول به ليست بالمؤهل الكافي لإبداء الرأي بالرواية، وهي أكثر الأجناس الأدبية دقة وصعوبة في كتابتها ومعايير نجاحها.. أما عن حكاية عملك المضني وتعبك وسفرك ورواحك ومجيئك وقراءتك في غرفة النوم والمطبخ والمطار و… و… فقد كانت جملة واحدة، برسالة موجهة إلى إدارة البوكر، تكفيك شر معاناته (شكرا لثقتكم .. آسفة لا أستطيع) وأظن أن هذه الجملة القصيرة كانت كفيلة بأن تريحك من تعب القراءة للبوكر والرواح والمجيء المتعب… وأيضا تعب كتابة مقال دفاعك ـ الذي افتقر للحجج ـ هذا، ولكان وفر لك وقت كتابته لكتابة أحد مقالاتك التي تعودتها منك… وأقرأها لك بشغف وامتنان يا زميلتي.

روائي وناقد عراقي/القدس العربي

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *