شارلس بونيه


محمد أمين أبو العواتك *

( ثقافات )

      قديما عندما اختار الكثير من الباحثين وعلماء الاثار الذهاب الي مناطق الكشوفات الاثرية (المضمونة) لضمان العوائد العلمية والبحثية والمادية فضل شارلس بونيه ان يختار السودان وسط دهشة وتعجب الكثير (هناك) لاعتقادهم بعدم وجود شي مهم (هنا) ويحركه ذلك اليقين بوجود( شئ ما) في هذه المنطقة (المحيره) المعروفة جغرافيا اليوم بالسودان.
عندما يجيبك بروفسور مثل شارلس بونيه ردا علي السؤال المتكرر له..لماذا اخترت السودان؟ قائلا.. ان هذا البلد غني….فخلف هذه الاجابة تختبئي كثيرا من المعاني التي تمتد لخارج المجال ولكنه الانضباط العلمي… ان لا حديث الا بدليل لذا يكون التعبير شاملا ومجملا ومحتشدا بالمعاني والخيارات وفي نفس الوقت مختصرا ، وكما نعلم ان علماء الاثار ليسوا (كاهل التنظير) فهم محكومين بمعايير راسخة ومنضبطة كلمة السر فيها…(الدليل) فالأمر ليس احلام وامنيات بل علم له منظوماته العلمية المترابطة والمتصلة ببعضها بدقة في مختلف بقاع الارض و تبادل كامل للمعلومات والبحوث وبعثات اثرية تكمل جهود بعضها البعض وصولا للعلم والمعرفة.
الحديث عن العلم والمعرفة في الاثار يقود الي الشيخ النيل عبد القادر ابوقرون و كتابه القيم (الايمان بمحمد) الذي يقول فيه ان الانسان بعلم الاثار استطاع معرفة احوال الامم السابقة ويقول فيه ايضا ان علم الغيب ينقسم الي اربعة اقسام ثلاثة منها تتعلق بالزمن وهي ماكان في الزمن الماضي والثاني ماهو في الزمن الحاضر وصار غيبا لبعد مكانه والثالث مايكون في المستقبل اما الرابع فيتعلق بالنفع والضر دون قيد زمني وهذا النوع الرابع هو الغيب الذي لايعلمه الا الله وهو من اختصاص الحق الذي لايقيده الزمان ولا المكان.
اما الثلاث انواع الاخري المتعلقة بالزمن فقد اتاح الله سبحانه العلم بها لبعض عباده بحوله وقوته وقدرته كعلماء الارصاد الذين يحددون مجي الرياح والامطار وكذلك علماء الفلك الذين يحددون الكسوف والخسوف ومد وجزر والاطباء الذين يعرفون الاجنة في بطون الامهات وبعلم الاتصالات استطاع الانسان معرفة مايجري في اي بلد من اقاصي المعمورة فكشف الله ماغاب عنهم بالبعد،فعلم الله سبحانه وتعالي الانسان مالم يعلم وسخر له الاكوان تمهيدا لرقيه ورفعته ، فبعلم الاثار كشف الله لعباده بعض غيب الماضي من تلك الامم مع عدم انكار امكان وجود وسيلة اخري غير علم الاثار لمعرفة الماضي.
تجدني اتفق كثيرا مع البرفسور شارلس بونيه علي ان هذه البلاد التي تسمي الان السودان غنية بل ازيده انها اكثر غني واقول حتي الان لم تبدأ معرفة اهل السودان بتاريخهم (المهول) وعلينا دعم البحوث العلمية والتاريخية وفتح الطريق امام المبادرات المختلفة وضرورة تهيئة المناخ للعلماء منهم وكف اذي بعض المتعطلين عنهم، وقد وفقت ان التقي البرفسور شارلس بوني مرتين وتحدثنا عن كرمة واكتشافاته وتاريخ المملكة الوسطي وعرضت له بعض وجهات النظر واتفق معي اجمالا دون التفاصيل ولكن كعادة علماء الاثار لايقفزون الي النتائج والخلاصات الا بالادلة الحاسمة ولكن خلف بعض الجمل والكلمات تختبئ الكثير من المفاجأت.
وموضوع احتفاء الحضارة الغربية بالبحث والعلماء هو من اسباب تطورها وقيادتها الطويلة والمستمرة للتقدم في كافة المجالات وكذلك متابعتها وتشجيعها وتمويلها المستمر وعدم استعجالها النتائج والصبر علي الاخفاقات ، علي عكس واقع امتنا المزري الذي هو حربا علي العلم والعلماء وحركة البحث وهوس فكري ديني يلقي بظلاله علي الجميع و(المرض المؤسف) حرب المبرزين من ابناء امتنا من الذين فتح الله عليهم بالعلم في مجالات مختلفة فكل الذي يتميز وتصيبه الشهرة بلا (سعي منه) ينبري له مجموعة من اصحاب حظوظ النفس بالملاحقة والاحاطة واشانة السمعة ومحاولات اغتيال شخصيته وهم دوما من الاقرباء او الزملاء او اولاد المنطقة التي ينتمي اليها حسدا من عند انفسهم وكل سوداني تميز واشتهر كان لتواجده لفترة خارج بلاده في ذلك نصيب.
وقصة شارلس بونيه هذه (نموذج) ورسالة كبري توضح (المفارقة) في خدمته الممتدة وصبره طوال خمسون عاما (ومساعدته لنا) في اكتشاف ذاتنا وامجادنا العظيمة بيقينه الكبير فينا وبعض موارده وفي (مقابل ذلك) في الاتجاه المعاكس تماما (نجتهد نحن) بلا استثناء وبكل ما اؤتينا من قوة في (تدمير ماتبقي) من هذه الامة بالسلبية والانانية والتسلط والاقصاء وعدم الاخلاق واحترام الاخر والانغلاق علي الجهوية والطائفية الدينية والاخطرالوصاية باسم الدين ، فنحن الذين نعيق انفسنا ونحاصرها فالامر مبتداه هنا وليس هناك، فالاسلام كان ديانتنا والرئيس عبود يزور الولايات المتحدة واعلام السودان ترفرف في كل المدن الامريكية وكان ايضا ديانتنا ونحن نستقبل الملكة اليزبيث في الخرطوم ونختم بالكلام الجميل الذي يرتقي الي مستوي الحكمة وهو ماذكره الشيخ الجليل الانبا ايليا… للاخ الصديق المتميز الاستاذ مصعب الصاوي..ان الجنسية السودانية تكتسب بالميلاد و التجنس او بالعطاء…والاخيرة هي حالة الاخ البرفسور شارلس بونيه.
*اعلامي وباحث من السودان*

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *