المرأة والوطن: قراءة في أعمال الفنانة التشكيلية الفلسطينية منال ديب




عفاف خلف

( ثقافات )


ما الذي تعرفه عن فلسطين، عن المرأة، عن الشرق، عن وجهنا المشوه وقد احتلته الجدران، الثقافة، العادات، الاحتلال، الجدران التي سالت وجوهاً، الوجوه التي تحتل المكان لتكتب زمنها، الزمان المطبوع على الجباه، وخطوط الفم وتجاعيد العينين والأنثى، الأنثى.

•”ربي إني وضعتها أنثى، وليس الذكر كالأنثى”

تلك مقولة مريم في كتابٍ محفوظ، تلخص كل حكاية الشرق، كل حكاية القهر في تاريخٍ أرادوه تتويجاً للذكورة، إمعاناً في الجندرية، فأتت الأنثى لتقول كلمتها، أتت منال بلوحاتها، بلونها، بكلها لتكتب تاريخاً آخر، أنا الأنثى التي تحمل ما أضفاه التاريخ من تشوهات، ما أضفاه الاحتلال والقمع والحروب من بصماتٍ على الوجه الحامل مشكاة الخلق. أوليست الأنثى تاريخ المدنية والحضارة! أليست هي الشجرة التي تضرب جذورها في عمق التراب وتظل تحت أفياءها الإنسان، مطلق إنسان! وكما الشجرة التي تحمل تشوهات الحضارة وما جنته الآلة عليها، كذلك الأنثى تحمل ربق الموروث والعادات والتقاليد وتتمزق مل بين شرقٍ وغرب، ما بين حضارتين تسعى الأولى إلى حجبها، والأخرى إلى تشيئيها والمجني عليه أنثى! 
تلك حكاية أعمال منال ديب، بدءاً من أول خط وليس انتهاءً بآخر ضربات الفرشاة، تحمل شرقيتها في الخط العربي المنسوج على الوجه، في لفاعٍ يبرقع ملامحها، في وطنٍ ينبثق من رحمها، في مكانٍ لا تسكنه ويسكنها، في ظلمة الحروب تظلل ملامحها، في فلسطينيةٍ انتزعوا الوطن منها، وهربته عبر الحقائب والمطارات ليمطر لوناً على الكانافاة، يسيل على الجدران، فكانت الأنثى ظلاً للمكان وللتاريخ وللإنسان. درست منال الفن، وأتبعت الدراسة بسيكولوجيا الفن لتستنطق لا الفن وحسب، لا الأنثى وحسب، بل لتستنطق التاريخ أيضاً. ثمة في اللوحات أنثى تحمل هماً كونياً، هماً وطنياً، وهماً شخصياً أيضاً، ثمة في اللوحة إنسان.

لم تخجل منال من أنوثتها، بل صورتها في كل اللوحات، كبرياءً وشموخاً وبعض حزن، لم ترضى منال بدور الضحية، فطرقت الأبواب، طرقت جدران الخزان الذي أرادوا وضعها فيه، فتناسلت اللوحات لتصير قضية، أنا الأنثى / الشرقيةُ / العربيةُ / الفلسطينية لستُ أخجل من هويتي، ولستُ أخجلُ إذ أحملها وتحملني. عبر اللوحات حملتُ وطن، وعبر اللوحات حملتُ قضية، وعبر الأنثى أحارب جندرية التاريخ والموروث والعادة. فكان اللون ثورتها.

تلك اللوحات التي تحمل رتوش إضاءات، ويعمها الرمادي والأسود، الوجه الذي يُضيء لبرهةٍ فقط وما يلبث أن يُعتم. الأنثى التي تحارب لا بدرعٍ وسيف بل بضوءٍ وحياةٍ ترغب في انتزاعها من رحم عتمة. هي اللوحات إذ تحُدثُ أخبارها، تأخذُ بيد المتلقي لتهمس له: ثمة أنثى تختنقُ بما كان. ثمةَ جمالٍ يذوي تحت وطأة النزاعات والحضارات والرؤى والأحكام المسبقة، أفسحوا له المكان ليُبدع، أفسحوا للضوء كوة، دعوا النور يعّم لينبثق من تحت الظل الإنسان.
•ربي، إني وضعتها أنثى.

من رحمها خرجَ من حمل خطايا العالم، ومن رحمها ولد الإنسان.

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *